Arabpsynet

Points de Vue  /  Points of View

شبكة العلوم النفسية العربية

 

عــرب يكرهــون أنفسهــم

أ.د. محمد أحمد النابلسي

الكفاح العربي 18/09/2002

 

    من الشروط الأساسية لتطور أي أمة، أو مجتمع، شرط القدرة على تطوير النظم الرمزية اللغة، نمط العلاقات الاجتماعية، التقاليد والأعراف... الخ  السائدة بين أفراده وجماعاته.

    وهذا التطوير لا يمكنه أن يتحقق من دون مخالفة السائد والمألوف، حتى يصير الخلط سهلاً بين المصلحين وبين معادي المجتمع.

    هذا النوع من الخلط هو المسؤول عن اغتيال العديد من المصلحين في تاريخ البشرية، منذ الحكم على سقراط بتجرع كأس السم ولغاية موجات التكفير والتخوين السائدة في مجتمعنا العربي منذ قرون، والمتجددة في محطات التحول العالمية، لذلك وجب علينا وضع الحدود لهذه الموجات، التي لا تكتفي بحرماننا فرص الحوار من اجل التطوير بل هي تزيد في تعميق تناقضاتنا وخلافاتنا.

    علينا أن نراجع بعض المبادئ والمسلمات السيكولوجية وتذكرها كخطوة أولى، ومن هذه المبادئ:

1-  النبذ الاجتماعي: وهذا النبذ هو المسؤول غالباً عن معاداة المجتمع لدرجة الاستعداد لخيانته، وهنا علينا الاعتراف بأننا من اكثر الأمم قدرة على النبذ والتفنن فيه.

2-  الفئات الهامشية: هذه الفئات المنبوذة تكون غالباً محط اهتمام محاولات اختراق المجتمع. وهنا أيضا نفرق بين محاولات اختراق سليمة النية وأخرى معادية للمجتمع.

3-  استيراد العناصر الثقافية: حيث عجزنا عن إنتاج عناصرنا الثقافية الخاصة واستيرادنا لهذه العناصر، بدءاً من لعب أطفالنا ولغاية أدوية عجائزنا وخطط رعايتهم.

4-  العنف الاجتماعي: حيث الصراعات الداخلية تكاد تهدد كل الدول العربية، تدعمها العصبيات والانتماءات الفرعية، التي تعكس عجز التكامل الثقافي والاجتماعي.

    أمام هذه المعطيات مجتمعة لا بد لنا من التقرير بوجود قوائم طويلة من الأعذار والتبريرات لغالبية أشكال الخروج على معايير النظم الرمزية الخاصة بمجتمعنا العربي.

    وحتى لا يكون كلامنا مغرقاً في النظرية فإننا نعطي بعض الأمثلة العملية الدالة على وجوب التريث في الأحكام، بل والتخلي عن التكفير والتخوين، ومن الأمثلة:

-        عزمي بشارة: الذي نظر إليه لمدة طويلة على انه جاسوس إسرائيلي بدرجة نائب في الكنيست الإسرائيلي، وبعد ذلك نكتشف فيه مناضلاً صلباً؟!

-        مروان البرغوثي: وهو من أوائل دعاة التطبيع مع إسرائيل، وهو نبذ لفترتها لهذا السبب، ثم تحول إلى بطل بعد اعتقاله ومحاكمته.

-        ادوار سعيد: الذي استقبل ببرود وتحفظ في البداية، ثم تحول إلى ناطق باسم المثقفين العرب في أميركا.

    وتطول قائمة الشخصيات التي تغيرت المواقف منها بتغير اللحظة السياسية وظروفها.

    وهذه الوضعية تشبه إلى حد بعيد وضعية يهود أوروبا بعد أزمة تكفيرهم للفيلسوف اليهودي سبينوزا، درجة الشبه هو استهداف الجماعة بمصالحها واستمراريتها.

    يومها اتخذ اليهود قرارهم بإلغاء تهمة التكفير حفاظاً على تلاحم الجماعة، وعندما عادت لليهود بعض القوة أطلقوا بديلاً للتكفير هو عبارة عن تهمة «اليهودي الذي يكره نفسه»، وقد يكون من المناسب أن نصل إلى هذا الحد الأدنى من خفض سقف التكفير والتخوين السائد بيننا.

    ونحن ندرك مدى صعوبة هذا الاستبدال المتساهل أمام حدة بعض التظاهرات العدوانية ضد الأمة والمجتمع من قبل أفراد ينتمون إليهما، ويفترض أن يردعهم هذا الانتماء ويخفف من حدة عدائهم، بغض النظر عن الدوافع الكامنة لهذا العداء.

    ويبقى تحديد معايير كره الذات عند العرب، وهو موضوع يحتاج إلى مراجعة شاملة للشخصيات التي وقعت ضحية التخوين والتكفير، للإفادة من هذه التجارب، وربما أمكن إعادة الاعتبار لبعضهم في مثل هذه المناسبة.

    ونفتتح الحوار باستبعاد الزعامات الحزبية والسياسية عامة، لأن طرح مثل هذه الحالات للنقاش كفيل بتفجير كل التهم والتناقضات وربما الشتائم، وعلى هذا الأساس نحصر النقاش بالمثقفين العرب، بادئين بترشيح بعض الأسماء كنماذج للعربي الذي يكره نفسه، ومنهم:

1-  الدكتور سعد الدين إبراهيم: وسبب ترشيحه هو قبوله بأن يكون شخصه سبباً في الضغط على مواطنيه في لقمة عيشهم. وتهديد أميركا بوقف المساعدات لمصر بسببه، فهل تراه يشعر بالقوة والجبروت عبر الدعم الأميركي له بتجويع مواطنيه؟

2-  العفيف الأخضر : ودافع ترشيحه اضطرابه النفسي الذي يجعله يصف المثقفين العرب بالزبالة من على منبر الجزيرة، وهو يتفنن في تحقير ذاته ومجتمعه بصورة مازوشية بعيدة عن السواء، والغريب انه يعود إلى رشده عندما يحس بالخطر نتيجة بعض مظاهر قوة الانتماء العربي.

3-  المتعاملون الفلسطينيون مع الشاباك : حيث ضخامة عدد هؤلاء يحولهم إلى ظاهرة، هي نتاج القهر والعدوان الإسرائيلي، المؤدي للتوحد بالمعتدي، ومع ذلك فإن على هؤلاء أن يحسوا بأنهم يكرهون أنفسهم وهم يتعاملون مع عدوهم.

    إنها قضية مطروحة للنقاش بإلحاح، سواء من حيث تحديد معايير كره الذات، أو من حيث ترشيح أولئك العرب الذين يسيئون لأنفسهم وأمتهم.

 

Document Code VP.0037

Nab-Ar.detest

ترميز المستند  VP.0037

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany، www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)