Arabpsynet

Livres  / كتــب /  Books

شبكة العلوم النفسية العربية

 

التأصيــل الإسلامــي للدراســات النفسيــة

البحث في النفس الإنسانية و المنظور الإسلامي

محمد عز الدين توفيق

دار السلام - مصر

 

q       فهــرس الموضوعــات /  CONTENTS / SOMMAIRE 

 

§         المقدمة

§         الباب الأول

o         علم النفس والمفهوم الإسلامي للعلوم الشرعية

o         تأصيل شرعي

- الفصل الأول

·         الجذور التاريخية لهذا الواقع

·         واقع العلاقة بين الغرب والعالم الثالث في مجال الدراسات النفسية

·         مشرع التأصيل الإسلامي يفرض نفسه

·         ومن الكتب التي صدرت في الموضوع

·         ومن الندوات التي عقدت في الموضوع

·         المعاهد والجمعيات والمنظمات والمؤتمرات المهتمة بالمشروع

·         ثلاثة مواقف من مشروع التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية

    موقف الرفض باسم الإسلام  /  موقف الرفض باسم علم النفس  /  موقف القبول بفكرة التأصيل والعمل على تحقيقها

·         حاجتنا إلى هذا النوع من الأبحاث

·         حول تسمية هذا النوع من الدراسات

- الفصل الثاني

·         موقف القرآن والسنة من التأصيل الإسلامي للبحث النفسي

·         ثلاثة أنواع من التفسير العلمي للقرآن والسنة

     الاتجاه الأول  /   الاتجاه الثاني  /  الاتجاه الثالث

·         معنى كلمة " نفس " في القرآن والسنة

·         القرآن والسنة يأمران بالتفكر في النفس

·         القرآن والسنة يأمران بتزكية النفس

·         القرآن والسنة يأمران بحفظ النفس

·         الطريقة العلمية لامتثال هذه الأوامر الثلاثة

·         القرآن الكريم يتحدث عن سق الله في النفس والمجتمع

·         أمثلة لسنن الله في النفس والمجتمع 

·         آفاق واسعة للبحث العلمي

·         القرآن الكريم يتحدث عن أحوال النفس

·         النفس عندما تكون سوية ملهمة

·         النفس عندما تكون أمارة بالسوء

·         النفس عندما تكون لوامة

·         النفس عندما تكون زكية

·         النفس عندما تكون مطمئنة راضية

·         آفاق واسعة للبحث العلمي

- الفصل الثالث

·         موقف أول الفقه من التأصيل الإسلامي للبحث النفسي

·         هل التأصيل الإسلامي لعلم النفس اجتهاد؟

·         هل التأصيل الإسلامي لعلم النفس فرض كفاية؟

·         هل البديل الإسلامي في علم النفس علم شرعي؟

·         ماذا يقدم علم أصول الفقه لهذا المشروع؟

- الفصل الرابع

     موقف الفكر الإسلامي من التأصيل الإسلامي للبحث النفسي / مشروع التأصيل الإسلامي للمعرفة في إطاره العام/  الفكر الإسلامي يؤدي عكس مهمته /  تأصيل في الفكر من أجل تأصيل في العلم

o         الباب الثاني

w        مفاهيم ومناهج في علم النفس

w        (تأصيل علمي)

- الفصل الأول

·         مفهوم الإنسان

·         مفهوم الإنسان في النظرة القديمة للعلم

·         سكينر والإنسان الخاضع

·         لورانز والإنسان المبرمج

·         فرويد والإنسان المنقسم

·         مفهوم الإنسان في النظرة الجديدة

·         العودة إلى إنسانية الإنسان

·         العودة إلى الخلق المباشر للكون والإنسان

·         العودة إلى أولية العقل وحرية الإرادة وخلود الروح

·         مفهوم الإنسان في الإسلام

          أصل الإنسان  /  طبيعة الإنسان

ج- مصير الإنسان

   المرحلة الأولى: الحياة الدنيوية  /  المرحلة الثانية: الحياة البرزخية  /  المرحلة الثالثة: الحياة الأخروية

- الفصل الثاني
مفهوم العلم في المنظور الإسلامي والمنظور الغربي  /    تعريف العلم  /   مفهوم الوجهة في العلم / الفرق بين النظرية والنموذج والوجهة /  تاريخ العلم هو تاريخ الحضارة التي تقوده / الوجهة الإسلامية للعلم
- الفصل الثالث

·         علم النفس عندما يكون بحثا نظريا

·         نموذج علم النفس التجريبي

 أولا: مستوى إجراء التجارب

1- التجارب الخبرية

أ- التجارب على الحيوانات  /  ب- التجارب على الناس

2-     التجارب الإكلينيكية

3-     التجارب الميدانية

·         ملاحظات حول خطوات البحث التجريبي

·         تحديد المفاهيم والفروض العلمية

          تحديد المفاهيم  /  تحديد الفروض

·         التحقق من الفروض

أ- جمع البيانات

العين  /  أدوات جمع البيانات

·         الملاحظة

·         المقابلة

ب- تفسير البيانات

·         واقع العلاقة بين الغرب والعالم الثالث في مجال الدراسات النفسية

·         مرحلة إجراء التجارب في المنظور الإسلامي

ثانيا: مستوى بناء النظريات

نظرية التحليل النفسي / النظرية السلوكية / نظرية علم النفس الإنساني / نظرية علم النفس المعرفي

·         مرحلة بناء النظريات في المنظور الإسلامي

 ثالثا: مستوى بناء الوجهة

·         الوجهة الإسلامية في علم النفس ص

·         الظواهر الروحية في مفترق الطرق

·         الوجهة الإسلامية وإثبات عالم الجن والملائكة

·         الملائكة

·         وجود الملائكة والجن في ميزان العقل

المثال الأول: ظاهرة العرافة / المثال الثاني: ظاهرة السحر / المثال الثالث: تحضير الأرواح

·         معنى القلب في القرآن والسنة

·         القلب والعقل

·         القلب والنفس

- الفصل الرابع

·       علم النفس عندما يكون ممارسة

·       نموذج علم النفس الإكلينيكي

·       المنهج العلاجي

أولا : - مرحلة الفحص  /  خطوات الفحص

ثانيا: - مرحلة التشخيص  /  البديل الإسلامي ومرحلة التشخيص

ثالثا: مرحلة العلاج

أولا: - مستوى العلاج بالعقاقير / البديل الإسلامي والعلاج بالعقاقير والأدوية

ثانيا: - مستوى العلاج بالتوجيه والإرشاد النفسي / أسلوب التحليل النفسي / العلاج السلوكي / البديل الإسلامي والعلاج بالتوجيه والإرشاد النفسي

 ثالثا: مستوى العلا بالرقيا (الذكر والدعاء)

·         المنهج الوقائي

·         الوقاية خير من العلاج

·         القيم الغربية تهيئ للإصابة بالأمراض النفسية

·         الاختلاف حول مفهوم السواء والانحراف في علم النفس الغربي

·         الصحة النفسية والبديل الإسلامي

·         القيم الإسلامية وقاية من الأمراض

·         دور الإيمان في تحقيق الصحة النفسية: المنظور الغربي

·         دور الإيمان في تحقيق الصحة النفسية: المنظور الإسلامي

·         معايير السواء والانحراف في الإسلام ثابتة وموحدة

أولا: نموذج الدكتور المهدي بن عبود

ثانيا: نموذج الدكتور محمد عثمان نجاتي

ثالثا: نموذج الدكتور محمد عودة محمد

·         إعداد الأخصائي النفسي وبناء المؤسسة العلاجية

·         إعداد الأخصائي النفسي

·         بناء المؤسسة العلاجية

·         العلاج الجمعي بالمنظور الإسلامي لهذه الخطوة

·         أمثلة لتداول أفكار علاجية بطريقة جماعية

·         إعداد ملفات عن الأمراض النفسية

·         الانحراف درجات

1-  الانحراف البسيط

2-  الانحراف الخفيف

·            الانحراف العادي

·            الانحراف الكبير

·            الانحراف الشديد

·            ملف عام

·            ملف الانحرافات النفسية الباطنة

·            مبدأ الانحرافات النفسية الباطنة في المنظور الإسلامي

·            علاج الانحرافات الباطنة في المنظور الإسلامي

الكبر : تعريفه / أنواع الانحرافات الباطنة المرتبطة به / أسبابه / علاجه

الغضب : تعريفه / أسبابه / علاجه

الحسد : تعريفه / أسبابه / علاجه

سوء الظن : تعريفه / أسبابه / علاجه/ ملف الانحرافات النفسية الظاهرة

القلق: تعريفه / أسبابه / أعراضه / علاجه / العلاج الطبي / العلاج النفسي / العلاج الروحي

الاكتئاب : تعريفه / أسبابه / أعراضه / علاجه / العلاج الطبي / العلاج النفسي / العلاج الروحي

الوسواس القهري : تعريفه / أسبابه  /  العلاج الطبي  / العلاج النفسي  /  العلاج الروحي

المخاوف المرضية : تعريفها / أسبابها  /  أعراضها  /  علاجها  / العلاج الطبي /  العلاج النفسي  /  العلاج الروحي  /  ملف عن الاضطرابات النفسية (روحية المنشأ)

المس الشيطاني : تعريفه ثبوت المس الشيطاني بالكتاب والسنة والتجربة / أسبابه / علاجه / علاج المس الشيطاني تطيب / في علاج المس الأمر بالمعروف ودفع الظلم / هل اختيار آيات الرقيا يؤخذ من الوحي أم من التجربة؟ / الطرق الشركية في علاج المس الشيطاني / الأخصائي النفسي وعلاج المس الشيطاني / المس الشيطاني ومرض الوهم / الوقاية من المس الشيطاني

السحر: السحر حقيقي ومجازي / كيف يحدث السحر وكيف يؤثر في المسحور / القرآن والسنة يذكران بعض: أنواع السحر / أعراض السحر نفسية وجسمية / تشابه الأعراض يطرح مشكلة التشخيص الفارق علاجه / الإسلام يحرم السحر ويعده من الكبائر / هل يجوز حل السحر بالسحر؟ / هل يجوز تعلم السحر لحله؟ / الرقية القرآنية لعلاج السحر / علاج السحر بمعرفة مكانه واستخراجه وإتلافه / الوقاية من السحر

 الباب الثالث

            دراسة التراث النفسي ومشروعات أخرى (تأصيل تاريخي)

الفصل الأول

دراسة التراث: طرائق ومناهج / فراغ لم يملأ بعد / خصائص التراث الإسلامي / دراسة التراث: دراسة لإسهام الحضارة الإسلامية )الإسهام بالمبدأ , الإسهام بالمنهج , الإسهام بالنتائج  / الصلة بين التراث النفسي والدراسات النفسية المعاصرة / علم النفس الإنساني موجود الحجم الذي ينبغي أن تأخذه / دراسة التراث  /  دراسة التراث من أجل التوثيق والتعريف والتقويم / دراسة الجانب النفسي من التراث يأخذ اتجاهات / دراسة المفاهيم النفسية في القرآن والحديث: الاتجاه لدراسة الموضوعات / مثال أول: القرآن وعلم النفس / للدكتور محمد عثمان نجاتي موضوعات الكتاب  /  منهجه في مباحث الكتاب موقع الكتاب في مشروع التأصيل الإسلامي لعلم النفس / مثال ثاني: الحديث النبوي وعلم النفس / موضوعات الكتاب / دراسة المفاهيم النفسية في / التراث الإسلامي: الاتجاه لدراسة الكتب مثال أول: دليل الباحثين إلى المفاهيم النفسية في التراث: عرض وتكشيف رسالة نموذجية: ابن سحنون: رسالة أدب المعلمين / دراسة المفاهيم النفسية في التراث الإسلامي: الاتجاه لدراسة المصطلحات / نموذج مصطلح القلب عند ألي حامد الغزالي

الفصل الثاني

مشروعات فرعية للإنجاز

أين يوجد علم النفس في حياتنا 

أولا: الكتاب المتخصص

إعداد موسوعة متخصصة موجهة للباحثين  /  إعداد الكتاب الجامعي أو مكتبة في علم النفس  /  إعداد الكتاب العام (الموجه للجمهور) 

ثانيا: الجامعة

ثالثا: البحث العلمي

المؤسسة الإنتاجية  /  المؤسسة التعليمية  /  المؤسسة العلاجية

مدخل إلى علم النفس: الدوافع نموذجا

دوافع السلوك

السلوك الإنساني سلوك مدفوع

مفهوم الدافع والحاجة

الحاجة والدافع والحافز

المجالات التي تتأثر بالدافعية

الدوافع نوعان: فطرية ومكتسبة

الدوافع الفطرية

أمثلة للدوافع الفطرية

دافع الجوع كيف يثار دافع الجوع  /  دافع العطش  /  دافع الإخراج  /  دافع النوم والراحة  /  دافع التنفس

أمثلة لدوافع حفظ النوع

   دافع الجنس  /  دافع الأمومة

مهمة الدوافع الفطرية

الدوافع الفطرية وتميز الإنسان

الدوافع المكتسبة

أمثلة للدوافع المكتسبة

أ- الدوافع النفسية

الدافع إلى الأمن  /  الدافع إلى حب الاستطلاع  /  الدافع إلى إثبات الذات

ت‌-   الدوافع الاجتماعية

     الدافع إلى الحب  /  الدافع إلى التقدير  /  الدافع إلى الانتماء

الدوافع الروحية

دافع التدين

الدوافع المكتسبة مزية الإنسان

الصراع بين الدوافع

السيطرة على الدوافع

عندما تكون النفس اللوامة هي النفس البشرية

عندما تكون النفس اللوامة هي النفس المؤمنة

استمرار اللوم في الاتجاه الصحيح يحتاج إلى علم

اللوم  إما لوم عام أو لوم محدد

اللوم المحدد

اللوم حراسة للفضاء النفسي

اللوم مناعة روحيه

اللوم العام

اللوم الطبيعي والصحة النفسية

السيطرة على دافع الجنس

السيطرة على دافع التملك

§         خاتمة

§         فهرست المراجع

 

q       تقديــم الكتــاب / PREFACE

 

    تدرس هذه الرسالة العلاقة بين الدراسات النفسية والمنظور الإسلامي بعيدا عن أي حكم مسبق حول حاضر هذه العلاقة أو مستقبلها، فالهدف من تناول هذه العلاقة بالبحث هو دفع النقاش خطوات جديدة من أجل الكشف عن الجوانب المنهجية التي ترسم ملامح هذه العلاقة واتجاهاتها.

ولا يخفى أن البحث في العلاقات المحتملة بين الدراسات النفسية والدراسات الإسلامية ليس رجوعا إلى الوراء، ولا دعوة إلى تهميش الدراسات النفسية بل العكس من ذلك تتيح هذه الدراسة المقارنة التعرف على أهمية هذا الفرع من العلوم الاجتماعية، وتسمح بفضاء أوسع لاختيار أحسن المناهج وطرائق البحث المناسبة لدراسة الظاهرة النفسية.

ولا شك أن المهتمين بالدراسات النفسية والإسلامية على السواء متفقون على أن ما تضمه العلوم الإنسانية من آراء ونظريات ليس فوق النقد، وأنه لا يعدو أن يكون اجتهادات بشرية تخطئ وتصيب، ولابد أن تنشط حركة النقد وتتعدد مدارسه لمحاربة الجمود الذي لا يخدم الثقافة العربية والإسلامية في شيء، بل يكرس الواقع الذي عانت منه هذه الثقافة في عصور الانحطاط.

كما أن المهتمين بالدراسات النفسية في البيئة العربية والإسلامية لا تغيب عنهم السلبيات الناشئة عن بعض الآراء والنظريات النفسية الوافدة، بل أغلبهم على وعي بهذه السلبيات، وعلى وعي بالطريقة المثلى لمواجهتها وهي طريقة قائمة على تجاوز النقل الحرفي إلى الترجمة المقرونة بالدراسة النقدية، والتمييز بين وحدة الموضوع المدروس، والاختلاف في وجهات النظر حوله تبعا لاختلاف المسلمات والفروض والمناهج والنظرة العامة لطيعة الظاهرة النفسية ومكوناتها.

وقد بدأ اهتمامي بموضوع هذا البحث منذ انتسبت إلى شعبة علم النفس بكلية الآداب بالرباط سنة ثمانية وسبعين وتسعمائة وألف، واستمر اهتمامي به مع تدريسي لمادة المدخل إلى علم النفس في شعبة الدراسات الإسلامية، وكان ثمرة هذا الاهتمام الذي استغرق عدة سنوات إنجاز هذه الرسالة. فقد تبين لي أن الاقتصار على عرض النظريات النفسية الغربية التي تتصدر علم النفس لا يكفي، بل لابد من بيان خصوصيات البيئة الإسلامية والحضارة الإسلامية عند تطبيق هذه النظريات سواء في المجال المعرفي أو التربوي أو العلاجي.

    ورغم إدراكي لصعوبة هذا النوع من الدراسات التأصيلية إلا أن الحديث المتزايد عنها وارتفاع عدد من الأصوات المساندة شجعني على المضي فيه مع الاعتراف بأن ما سأكتبه في هذه الرسالة ليس سوى مساهمة في رسم ملامح هذه العلاقة التي يجب أن تكون بقدر هذا الدين العظيم، وهذا عمل أجيال من المتخصصين الذين ستتكامل أبحاثهم لتوجه هذا العلم الوجهة التي تفسر الظواهر النفسية التفسير الصحيح.

وإذا كانت بعض المرجعيات التي لا ترقى إلى مرجعية الإسلام ؛ كالمرجعية الداروينية القائمة على نظرية التطور قد أقنعت بافتراضاتها علماء النفس في الشرق والغرب ؛ يستندون إليها لتأسيس نظرياتهم وبناء الوجهة العامة التي تستوعب وتؤطر تلك النظريات. فإن الباحث النفسي المسلم أحق منهم بعرض مكتسباته العلمية على مرجعيته الإسلامية بوصفها وحيا من عند الله ، بل إنه أجدر من غيره بالبحث في العلوم الاجتماعية، لثراء المعلومات التي تمده بها هذه المرجعية المتميزة.

وإذا كان أحد علماء النفس الغربي- فرانكل- قد أسس مدرسة مستقلة في علم النفس تبعا لمشاهداته في معسكرات الاعتقال إبان الحرب العالمية الثانية، فماذا تكون النتائج إذا أسسنا الدراسات النفسية في بيئتنا العربية والإسلامية على مرجعية الإسلام ؟ 

وإذا كان علماء النفس في الغرب يقولون : إنه لا توجد نظرية عامة تكتسح ساحة علم النفس إلا عن طريق الدكتاتورية، فإن المجال مفتوح لتعدد المرجعيات والوجهات العامة التي تقود الأبحاث النفسية والاجتماعية، فلماذا لا يعرض علماء النفس المسلمون مكتسباتهم العلمية على مرجعيتهم الإسلامية ؟ وما دامت سوق المنافسة العلمية مفتوحة فلماذا يقبل عالم النفس المسلم أن يكون سجينا لمرجعيات ووجهات وفدت عليه من خارج بيئته وثقافته وقدمت له باسم عالمية المعرفة وموضوعية العلم؟.

   إن مما يشجع الباحثين في مجال الدراسات النفسية بالمجتمعات الإسلامية على المضي في التأصيل الإسلامي للبحث النفسي هو الأزمة العامة التي يعاني منها علم النفس الغربي في المرحلة الراهنة والتحول العام الذي تعرفه النظرة العامة للعلم.

    إن التصورات التي تسود في علم من العلوم لا تحتل ساحته دفعة واحدة، ولكنها تدخل بالتدريج، كلما تهدمت التصورات القديمة تهيأ المجتمع العلمي للتصور الجديد، وإن نقل هذه التصورات وما بني عليها من نتائج إلى بيئة أخرى يشبه نقل قوانين من بيئتها إلى بيئة لم تنشأ فيها نشأة طبيعية.

    لا شك أن ثقافة المجتمع ومشاكله توجه اختيار الموضوعات المدروسة في العلوم عامة والعلوم الاجتماعية خاصة، والتأثر بهذه الثقافة في أوساط المختصين يظهر عند ابتكار الأفكار التي تقود الأبحاث، ثم فيما يتلو ذلك من إجراء التجارب، وتكون النظريات، وبناء الوجهة العامة للعلم، لذلك تبدو سلبيات الانشغال بمشاكل الغير، واستبطان عقليته ونقلها للآخرين.

وإذا كان علماء النفس في الغرب يشكون من الهوة التي توجد لن النظرية والتطبيق في مجال الدراسات النفسية، فمن المتوقع أن يكون ذلك عندنا بشكل أسوأ، حيث ستواجه النظريات الوافدة بالإضافة إلى مشاكلها الذاتية مشاكل أخرى ناشئة عن غربة الوسط الذي نقلت إليه، ويمكن أن نرصد أشكال هذه الغربة في عزلة علم النفس عن الرجل العادي، وعزلته عن الحياة اليومية للناس، وضعف تجارب المرضى وزوار العيادات النفسية مع ثقافة نفسية لم تؤسس على معرفة صحيحة بالإنسان الذي تحاول تعديل سلوكه.

فحتى لا يتردى علم النفس في هاوية الكلام النظري لابد أن يتفاعل مع المشاكل الواقعية للفرد والمجتمع، وهذا وجه آخر من الوجوه التي تؤكد أهمية هذه الدراسة التأصيلية، وضرورة التعاون بين المهتمين لأجل إنجازها.

إن الأبحاث التي تتم في علم النفس والعلوم الاجتماعية بصفة عامة ليست كالأبحاث التي تتم في العلوم الطبيعية، فالطبيب الذي يكشف على كبد شخص ما لا يهمه كثيرا أن يعرف بلده ولغته وثقافته ودينه وأسرته، لأن الكبد في تركيبها المرفولوجي ووظائفها الفسيولجية لا تختلف كثيرا حسب البلدان واللغات والمعتقدات، لان كان هناك اختلاف وراثي بين الأفراد فإنه لا يمنع من تعميم نتائج التجارب التي تتم في هذا المستوى، ولكن عالم النفس الذي يريد أن يدرس السلوك أو يعدله تهمه هذه الأشياء كلها.

لقد طرح علم النفس نفسه في الغرب بديلا للدين وليس مساندا له، فقد اعتبرت الفلسفة الوضعية في قانونها الثلاثي أن المرحلة العلمية مرحلة ثالثة تنسخ المرحلة اللاهوتية والميتافزيقية، فاستنجد المجتمع بالعلم الوضعي ليملأ كرسي الدين، واقتسمت العلوم الوضعية الموضوعات التي كانت تحتكرها الإجابة الدينية، وكان لعلم النفس في الغرب نصيبه من هذه القسمة، بل إن العلم أدلى برأيه في الدين نفسه.

ونحن في بيئتنا العربية والإسلامية لا يمكن أن تطرح العلوم الاجتماعية والإنسانية نفسها بديلا للدين، ولكنها يجب أن تكون مساندا له تتقاسم معه التعريف بالظاهرة الإنسانية، فالجانب الذي لا يعرف من هذه الظاهرة عن طريق العقل البشري والبحث التجريبي تأخذه من مصادر الوحي المنزل من عند الله.

إن الأخطار التي تهددنا بنقل نتائج أبحاث تتم خارج بيئتنا وبمنظور يختلف عن ثقافتنا تظهر بصور عديدة وعلى سبيل المثال: إذا نقل عالم النفس المسلم المفهوم السائد في المجتمعات الغربية عن الصحة النفسية والمرض النفسي دون أن يراعي الاختلاف بين البيئة الغربية والإسلامية سيفضي به ذلك النقل إلى القول بأن الزنا واللواط على سبيل المثال سلوكيات سوية في ذاتها، والانحراف مفهوم اجتماعي يرتبط بالقيم السائدة في المجتمع.

فما هي الصورة التي ينبغي أن تكون عليها الدراسات النفسية في المجتمع الإسلامي؟ وما هي العلاقات التي يمكن أن تقوم بين هذه الدراسات والدراسات الإسلامية؟ وبماذا ستفيد هذه الأخيرة المتخصص في هذا الفرع من العلوم الإنسانية؟ وما هي الوجهة العامة لهذا العلم في البيئة الإسلامية؟

تلك بعض الأسئلة التي تحاول هذه الرسالة مناقشاتها من خلال مقدمة وثلاثة أبواب.

يتناول الباب الأول: الدفاع عن علم النفس بوصفه فرغا من فروع المعرفة الإنسانية، ويبين الموقف الشرعي الإسلامي من وجود علم بهذا الاسم، وأوجه الحاجة إليه، وفي هذا الباب أربعة فصول، يتناول الأول منها: واقع علم النفس في البيئة الإسلامية، ويتناول الثاني: موقف القرآن والسنة من مشروع التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية، بينما يتناول الثالث: موقف علم أصول الفقه، والرابع: يتناول موقف الفكر الإسلامي.

والفكرة العامة لهذا الباب هي أن علم النفس بغض النظر عن النظريات الحالية التي تملأ أرشيفه، علم إسلامي، أي: ينطق عليه وصف العلم النافع، أو العلم المشروع، ويستحق أن يأخذ مكانه بين العلوم الأخرى التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي.

 أما الباب الثاني: فيتناول التأصيل العلمي للدراسات النفسية، وفكرته العامة هي أن الوجهة الإسلامية أوسع من الوجهة السائدة حاليا، ولذلك فهي الوجهة القادرة على تغطية الظاهرة النفسية بأبعادها ومستوياتها المختلفة، ففي الوجهة الإسلامية إغناء لموضوع علم النفس ومصادره ومناهج البحث فيه.

وقد تضمن هذا الباب أربعة فصول- أيضا- يتناول الأول منها: مفهوم الإنسان بين النظرة الوضعية والنظرة الإسلامية، ويتناول الثاني: مفهوم العلم بين النظرتين، على أساس أن تحديد مفهوم الإنسان ومفهوم العلم له انعكاس مباشر على الاتجاه الذي تأخذه الدراسة النفسية. أما الفصل الثالث: فيتناول أوجه الاتفاق والاختلاف بين المنظور الإسلامي والمنظور الغربي في مجال البحث النفسي الأكاديمي بدءا بخطوة إجراء التجارب وانتهاء بتكوين الوجهة أو الإطار العام. أما الفصل الرابع: فيتناول أوجه الاتفاق والاختلاف بين المنظور الإسلامي الغربي في مجال الممارسة العلاجية، سواء عند خطوة الفحص أو التشخيص أو العلاج.

أما الباب الثالث: فيتناول التأصيل التاريخي للدراسات النفسية وإسهام المسلمين في هذه الدراسات في بحوثهم الفلسفية والفقهية والطية، وفيه فصلان، الأول: عن المناهج والأساليب المقترحة لدراسة التراث النفسي الإسلامي، والثاني: عن بعض المشروعات الفرعية المرتبطة بالتأصيل الإسلامي للدراسات النفسية وكيفية إنجازها. وقد تنوعت مصادر الرسالة حسب فصولها، فشملت كتبا في الثقافة الإسلامية وأخرى في فروع علم النفس، وقد اعتمدت في هذه الأخيرة على الموسوعات المتخصصة بدل المراجع المفردة، لأن الموسوعات كما هو معروف تتظافر على إنجازها مجموعات من المتخصصين، وقد استفدت بصفة خاصة من موسوعتين متخصصتين في علم النفس، إحداهما في خمسة مجلدات، وأخرى في سبعة مجلدات- كما هو مبين في فهرست المراجع- كما استفدت من الكتب والمجلات والدوريات العلمية التي أتيح لي الاطلاع عليها.

هذا وإن مما تهدف إليه هذه الدراسة هو فتح الحوار بين المهتمين بهذا المشروع على اختلاف رؤيتهم له، مشروع التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية، ولا شك أن الرسائل الجامعية إلى جانب المقالات العلمية والكتب وسيلة من وسائل هذا التواصل ولا بد أن نصل في النهاية إلى صيغة مشتركة تكون لها شرعية جماعية وتعبر عن يقظة العقل المسلم وطموحه إلى الاستقلال الثقافي. ورغم أن هناك من يقف من الفكرة موقف الرفض إلا أن ذلك ناشئ أساسا من القلق الذي لا تزال تعانيه الفكرة والمصطلحات المستعملة للتعبير عنها، غير أن العلماء والأخصائيين النفسيين المسلمين ينبغي أن يكونوا طرفا واحدا في هذا المشروع وألا يكونوا أطرافا متعددة، وتبقى رؤية كل واحد والاسم الذي يختاره مشكلات داخلية يتم حلها بالحوار العلمي والتواصل الأكاديمي.

 

Document Code PB.0109

http://www.arabpsynet.com/Books/Taoufik.B1 

ترميز المستند   PB.0109

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)