Arabpsynet

Livres  / كتــب /  Books

شبكة العلوم النفسية العربية

 

الطــب النفســي المعاصــر

أ. د. أحمد عكاشة

 مكتبة الأنجلو المصرية  1998

E.mail : aokasha@internetegypt.com 

 

q       فهــرس الموضوعــات /  CONTENTS / SOMMAIRE 

 

§         المقدمة

§         الفصل الأول :

o        تطور مفهوم المرض العقلي من العصر الفرعوني حتى الإسلام

o        خدمات الصحة النفسية في مصر

o        تصنيف اضطرابات الطب النفسي و العقلي

o        التصنيف العالمي العاشر للاضطرابات العقلية والسلوكية (الفصل الخامس) منظمة الصحة العالمية.

o        الفحص الإكلينيكي للحالة النفسية 

 

§         الفصل الثاني :

o        الاضطرابات العصابية و المرتبطة بالكرب و جسدية الشكل

o        اضطراب القلق العام

o        اضطراب القلق و الاكتئاب المختلط

o        اضطراب الهلع

o        القلق الرهابي

o        اضطراب الرهاب (الخوف)

o        اضطراب الوسواس القهري

o        استجابة الكرب الحادة

o        اضطراب الكرب عقب صدمة

o        اضطراب التوافق

o        الاضطرابات الانشقاقية و التحولية (الهيستيريا)

الشلل الهستيري/ النوبات الهستيرية : فقدان الصوت – ارتجاف الأطراف اللوازم /   الغيبوبة الهستيرية / الجوال الهستيري اعوجاج الرقبة / اضطرابات حسية /  اضطرابات حشوية /  فقدان الشهية العصبي / الشره العصبي /  فقدان الذاكرة /  الشرود الهستيري /  تشوش الوعي – الغشية – المس /  تعدد الشخصيات – شبه العته الهستيري / الهستيريا الجماعية.       

o          اضطرابات جسدية الشكل

                  اضطراب الجسدنة /   اضطراب جسدي الشكل غير مميز /  اضطراب توهم المرض /  الإعياء العسبي

o          اضطرابات اختلال الإنية و العالم الخارجي (تبدد الشخصية و الواقعية).

o          علاج العصاب

                  العلاج النفسي / العلاج المعرفي وعبر الشخصية / العلاج العضوي / العلاج السلوكي / العلاج البيئي والاجتماعي.

 

§         الفصل الثالث :

o        الاضطرابات الذهانية

o        الفصام

الأسباب /  التفسير النفسي المرضي /  أعراض اضطراب الفصام /  أنواع الفصام /  اضطراب فصامي       الطابع /  اضطرابات ضلالية /  اضطرابات ذهانية حادة عابرة /  اضطراب الفصام الوجداني / مآل الفصام / التشخيص الفارق /  العلاج.

 

§         الفصل الرابع :

o        الاضطرابات المزاجية (الوجدانية) 

 نوبة هوس (ابتهاج) / اضطراب وجداني ثنائي القطب / نوبة اكتئاب / المزاج النوابي / عسر المزاج / الأسباب / أعراض الاكتئاب / الاضطراب الوجداني الموسمي / أعراض الابتهاج (الهوس) / مآل اضطرابات المزاج / العلاج.

§         الفصل الخامس :

o        الاضطرابات العقلية العضوية

      الهذيان الصاد / اضطرابات التمثيل الغذائي / اضطرابات الفيتامينات / أمراض الغدد الصماء / أمراض الجهاز العصبي .

 

§         الفصل السادس :

o        اضطرابات عقلية و سلوكية نتيجة لاستخدام مواد نفسية الفاعلية (الإدمان)

الكحولية / الحشيش / المورفين (الأفيون) / الهيروين / الكوكايين / عقاقير الهلوسة / أسباب الإدمان / المحور الصحي لاستراتيجية مكافحة الإدمان / أهداف العلاج / علاج الإدمان.

§         الفصل السابع :

o        الزملات السلوكية المصحوبة باختلالات وظيفية و عوامل بدنية

         فقدان الشهية العصبي /  الشره المرضي / فرط الأكل المصاحب باضطرابات نفسية أخرى

o        اضطرابات النوم غير العضوية

       عسر النوم / الأرق / فرط النوم / اضطرابات موعد النوم / السير أثناء النوم /  فزع النوم / الكوابيس الليلية /  علاج الأرق.

o        الاضطرابات الجنسية

          أ - اضطراب الهوية الجنسية

                  التحول الجنسي /  تحول الزي الثنائي الدور (الإرتداء المغاير)  /  اضطرابات الهوية

         ب - اضطرابات الإيثار الجنسي

                  الفيتيشية /  تحول الزي الفيتيشي / الاستعراء /  التطلع الجنسي /  حب الأطفال الجنسي /  السادية

                  المازوشية /  اضطرابات متعددة /  اضطرابات أخرى.

o        اضطرابات التعبير عن الجنس

          الفمية /  الشرجية /  طرق أخرى /  لذة الرمامة / الاستمناء /  الجنسية المثلية.

o        عسر الوظيفة الجنسية 

         فقدان الرغبة الجنسية / بغض الجنس وعدم الاستمتاع بالجنس / عسر هزة الجماع / التقلص المهبلي/ آلام الجماع / زيادة الدافع الجنسي / العلاج.      

 

§         الفصل الثامن :

o        الأمراض السيكوسوماتية أو النفسجسدية

قرحة المعدة والإثني عشر / الربو الشعبي / ارتفاع ضغط الدم / قصور الشرايين التاجية / الصداع النصفي / روماتيزم المفاصل / الأمراض الجلدية .             

 

§         الفصل التاسع : الاضطرابات العقلية و السلوكية المصاحبة للحمل و النفاس        

 

§         الفصل العاشر :

o        اضطراب الشخصية

            اضطراب الشخصية البارانويدية / اضطراب الشخصية الشبفصامية /  اضطراب الشخصية غير المتزنة انفعاليا / النوع النزفي / النوع الحدي / اضطراب الشخصية الهستيري / اضطراب الشخصية القهري / اضطراب الشخصية الاجتنابية /  اضطراب  الشخصية الاعتمادية.

o        تغيرات دائمة في الشخصية

o        اضطرابات العادة و الاندفاع

           المقامرة المرضية /  هوس إشعال الحرائق /  هوس السرقة /  هوس نتف الشعر.      

 

§         الفصل الحادي عشر : التخلف العقلي (العجز التعليمي)     

 

§         الفصل الثاني عشر :

o        طب نفس الأطفال

o        اضطرابات النماء النفسي

o        اضطرابات إنمائية منتشرة

o        الذاتوية الطفولية

o        زلة رت

o        زملة اسبرجر

o        اضطرابات فرط الحركة

o        اضطرابات المسلك

o        اضطرابات اللوازم

o        التبول اللاإرادي

o        التبرز اللاإرادي   

 

§         الفصل الثالث عشر :

o        طب نفس المسنين       

 

§         الفصل الرابع عشر :

o        الصحة النفسية و الوقاية في الطب النفسي

 

§         الفصل الخامس عشر :

o        الطب النفسي الشرعي     

 

§         الفصل السادس عشر :

o        القوانين المتعلقة بالطب النفسي

        قانون مكافحة المخدرات /  القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية ونص مشروع القانون الجديد المقترح /  قانون تنظيم مهنة العلاج النفسي.

o        قسم الطبيب النفسي

o        ميثاق شرف الأطباء النفسيين

o        المراجع العربية

o        المراجع الأجنبية

 

q       تقديــم الكتــاب / PREFACE

 

مر الطب النفسي خلال تطوره بعدة مراحل بعد أن كان مجالا خصبا للاجتهاد الذاتي للفلاسفة والحكماء ورجال الدين، وكذلك عومل مرضى النفس والعقول في الفترات السابقة المختلفة بوصفهم شواذ، ومحترفي إجرام، واتباع للشياطين أو أنهم من أهل الكفر.

       وتنقسم مراحل تطور الطب النفسي إلى أربع مراحل: المرحلة الإنسانية، والمرحلة التحليلية، والمرحلة الطبية، والمرحلة الفسيوكيميائية. ومع بداية القرن القادم تبدأ مرحلة الهندسة الوراثية الجزيئية.

       بدأت المرحلة الإنسانية في القرن الثامن عشر بظهور الطبيب الفرنسي فيليب بينل الذي استطاع أن يغير من طبيعة مستشفى الأمراض العقلية، وأن يفك الأغلال والسلاسل التي كانت تقيد مرضى العقول ويقضى على المعاملة السيئة والمهينة، وينشر الوعي الحضاري في معاملة هؤلاء المرضى.

      يلي تلك المرحلة ظهور فرويد في القرن التاسع عشر و محاولته الفريدة في تشريح النفس البشرية وفهم العوامل اللاشعورية في سلوك الإنسان، و أفاض فرويد في تفسير الأحلام، وزلات الكلام والجنسية الطفلية، و أثار الجدل بنظريته في نشأة الأمراض النفسية والعقلية من خلال الصدمات الانفعالية والجنسية في حياة الطفل أثناء السنوات الخمس الأولى وكتب الكثير عن علاج هذه الأمراض بالتحليل النفسي وعمليات الألفة والمقاومة، وبالرغم من نقد الكثيرين لتطرف نظريات فرويد باعتباره وضع فروضه على أساس بعض الشخصيات المرضية، ولم يأخذ في حسبانه الشخصيات السوية مما أدى إلى اعوجاج في تطبيقها على كافة المستويات، ومما أدى بالكثير من بعض تلامذته إلى الانفصال عنه بنظريات مختلفة مثل أدلر، ويونج وغيرهم، ولكن لاشك أن أثره البالغ في التعمق في آلام النفس البشرية لم يسبقه إليه أحد، وإن كان تأثيره الحالي أكثر جلاء في مجال الفن والتصوير والسينما عنه في الطب النفسي حيث ظهرت مدارس متطورة في العلاج النفسي أثبتت فاعليتها وتفوقها على مدرسة التحليل النفسي.

      أما المرحلة الثالثة وهى المرحلة الطبية، فهي محاولة العالم الألماني كريبلين وضع الطب النفسي في إطار طبي بدلا من الإطار الفلسفي الذي كان شائعا في هذا الوقت، فبدأت بشروعه في البحث والتنقيب والتنقية حتى وصل إلى تفسير الأمراض النفسية والعقلية المعروفة الآن على أساس طبي من حيث فهم الأسباب والباثولوجيا والأعراض والعلامات، ومآل المرض ثم العلاج. غير أنه قد أغفل الكثير من العوامل اللاشعورية والأسباب الانفعالية الخاصة بالمريض لكي يشابه بين المريض العضوي والنفسي، ولكن جانبه الصواب في هذا الشأن، في أن المريض النفسي يختلف كثيرا عن المريض العضوي في رمزية أعراضه، وفي الدور الذي تلعبه هذه الأعراض في حياته الخاصة والعامة، وقد انتشرت الآن المدرسة المضادة للطب النفسي برفضها وضع الأمراض النفسية والعقلية في إطار طبي مثل باقي الأمراض العضوية واعتبارها أسلوبا في الحياة اختاره الفرد، الذي يجب أن يمر بهذه التجربة حتى يخرج منها بخلق جديد أو إبداع مثمر، ويتضح خطأ الطبيب في علاجه لهذه الأمراض بالطريقة الطبية، لأنه يتحول في هذه الحالة إلى أداة في خدمة الحاكم و المجتمع لترويض المريض واستئناس أنماطه حتى يتكيف مع هذا المجتمع الزائف... ولكن سرعان ما أصيبت هذه المدرسة بالعقم والشلل، لأنهم وإن كانوا قد قدموا فلسفة ممتعة جميلة إلا أنهم لم يجدوا الحلول لإسعاد وعلاج مرضى النفس والعقل من معاناتهم المستمرة.

      أما المدرسة الرابعة وهي الفسيوكيميائية فقد بدأت في القرن العشرين وخاصة في الخمسينات باكتشاف عقاقير مضادة للفصام، و معرفة أن عقاقير الهلوسة تسبب اضطرابات كيمائية داخلية في الدماغ شبيهة بما يحدث في الفصام، و كذلك اكتشاف نقص في بعض الموصلات العصبية في المشتبكات العصبية داخل الدماغ في مرض الاكتئاب وأنه بإعادة هذه الموصلات لنسبتها الطبيعية يشفى الاكتئاب، وفى نفس الوقت أوضحت الأبحاث التغيرات الفسيولوجية التي تحدث مع حالات القلق والهلع والهستيريا والوسواس القهري، وكذلك اكتشاف إفراز المخ للأفيون الداخلي و الذي يسيطر على عتبة الألم واحتمال علاقته المباشرة بالإدمان بكافة أنواعه، وأخيرا العلاقة المباشرة بين مزاج الفرد وجهاز المناعة، وكيف أن التغيرات المزاجية قد تقلل المناعة وتسبب الأمراض النفسية وكذلك الجسدية من السرطان إلى السكر والروماتيزم وأمراض القلب. والحديث لن يتوقف عن الثورة الفسيوكيمائية التي غيرت مفهوم الطب النفسي في العالم، والعقاقير المختلفة التي تظهر في محاولة لإزالة معاناة الإنسان النفسية، وباكتشاف عقاقير مضادة للقلق والاكتئاب والهذيان والفصام والوسواس.. ومن يدري فقد يأتي اليوم الذي تكتشف فيه الحبوب لمنع الحقد والحسد والغيرة،. بل حبوب تجعل الأحلام سعيدة.، وملونة.!

      ولقد انتشرت كلمة المريض النفسي (العصابي) أو المريض العقلي (الذهاني) في كافة المجالات، حتى شاعت في شتى وسائل الإعلام، ولكننا إذا توقفنا برهة لنتساءل من هو المريض النفسي لوجدنا صعوبة في التعريف.. هل هو حقا مريض؟ أما أنها كلمة تطلق على كل من يعجز عن التكيف مع المجتمع أو يتأقلم مع من حوله، وهو في خلال ذلك يتألم و يعاني، وأثناء هذه المعاناة قد يخلق أو يبدع، وينتج، أو قد يختلف، ويكافح للوصول إلى غايته وهذه هي الحضارة، أو أحيانا ما يتوقف تماما نتيجة لمعاناته بخضوع جهازه العصبي لاستجابات القلق والاكتئاب والهستريا والوسواس، إذن فالعصابي إنسان مخير قادر على التكيف، سواء للأفضل أو للأسوأ وفى كلا الحالتين ينبغي الحذر من أن نوصمه بالمرض.

      قررت الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 1985 في التصنيف الأمريكي الثاني لأمراض الطب النفسي إلغاء كلمة العصاب نظرا لسوء استعمال الكلمة وكأنها وصمة أو سمة غير حميدة، وكذلك لأنها تتبع مدرسة التحليل النفسي والتي تؤول الأسباب إلى صدمات الطفولة المبكرة والذي ثبت عدم مصداقيتها كثير من الحالات، وقد سبق ذلك شنيدر في عام 1923 حيث لاحظ أن كلمة العصاب تعبير خاطئ لحالات تدل على تفاعل شاذ في الشخصية و لا تحمل في صفتها أكثر من ذلك، و الحق أن معظم الاضطرابات النفسية (العصابية) تتبادل الأعراض، وتختلف صفاتها في المتابعة الطولية ومن ثم يتغير التشخيص من وقت لآخر مما يسبب نوعا من الخلط و الارتباك، وإذا أخذنا الأسباب والأعراض، والمآل والعلاج في اضطرابات العصاب المختلفة هن قلق إلى وسواس إلى اكتئاب إلى هلع و رهاب وكذلك الاضطرابات التحولية والانشقاقية، نجد أنه يمكن تلخيصها في نوعين:

اضطرابات التأقلم أو التكيف وهي مجموعة من الأعراض تتميز بظهور أعراض حادة، قصيرة المدى تحت تأثير مشقة أو كرب وتحمل مآلا حسنا.

 زملة العصاب العام وتتميز بأعراض متباينة مختلفة تظهر أحيانا دون وجود مشقة و تأخذ شكلا مزمنا، وأكثر الأعراض انتشارا هو القلق النفسي و الذي كثيرا ما يتحول إلى اضطراب الهلع ثم يأخذ شكل الرهاب أو المخاوف ثم يصبح أحيانا رهاب الساحة (الخوف من الأماكن المتسعة) وغالبا ما ينتهي بأعراض اكتئابية).

- وإذا قبلنا هذا الجدل من الناحية النظرية إلا أنه هن الصعب من الناحية العملية إلغاء لفظ العصاب ولذا فقد أبقى التصنيف العالمي العاشر لسنة 1992 للأمراض والتابع لمنظمة الصحة العالمية على فئة العصاب تحت عنوان الاضطرابات العصابية المرتبطة بالكرب والجسدية الشكل حيث أنها تشترك في صعوبة الفرد في التكيف مع أحداث و كروب الحياة مما يؤثر على علاقاته الشخصية و إنجازه في العمل، ويشمل العلاج في حالات العصاب العلاج النفسي و السلوكي والمعرفي والدوائي.

- ويبدو أن ما قيل عن لفظ الهستريا وإلغاؤه يمكن قوله في العصاب "أنه سيعيش ليسير في جنازة هن ينعاه "!!.

- وينطبق نفس الشيء بالنسبة للمريض العقلي أو ما يطلق عليه العامة "المجنون " ففي الواقع لا يوجد مثل هذا اللفظ في قاموس الطب النفسي ولكن تستعمل هذه الكلمة أحيانا في الإطار القانوني والجنائي إذن فمن هو المريض العقلي؟

- هل هو هن يقوم بسلوك يخالف تقاليد المجتمع؟

- هل هو من يفكر بطريقة تثور على أسس المجتمع؟

- هل هر من يختل إدراكه ولا يستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال؟

- هل هو هن يصبح أسيرا لأوهام و هلاوس وضلالات؟

- هل هو ذلك الرجل الذي يتوقف عن التفكير والعاطفة وينسحب من هذا العالم؟

- هل هو القاتل، الشاذ جنسيا، العدواني المخرب؟

     هنا تكمن الصعوبة، فتشخيص المريض العقلي له محكاته الخاصة ولكن أحيانا ما يعرف مجازيا حسب المجتمع والبيئة، فإذا اختلف فرد في عقائده السياسية مع بيئته و ثار عليها وأتهم زعماءها بأنهم عار على المجتمع فقد يحتمل في بعض الدول أن يودع في إحدى مستشفيات الأمراض العقلية بوصفه مصابا بجنون العظمة، (وقد أدينت بعض الحكومات في المؤتمر العالمي السادس للطب النفسي في هونولولو 1977 لممارستها الضغط السياسي من خلال الطب النفسي)، وفي دول أخرى، قد يوضع في السجون باعتبار أن تطرفه مؤذ للمجتمع، على حين يسمح له بالتعبير عن كل انفعالاته في دولة أخرى، فبينما هو مجنون في مجتمع، نراه مجرما في مجتمع آخر أو إنسانا مختلفا متمردا على تقاليد المجتمع في مجتمع ثالث.

     وقد يستسيغ مجتمع ما بعض الأفراد ذوي الشفافية الذين يزعمون أنهم يتلقون وحي الهداية لنشر الفضيلة والتمسك بأهداب الدين، بل أحيانا تصل نسبة احترامهم إلى مرتبة التقديس على حين قد يودعون في مجتمع آخر مستشفيات الأمراض العقلية للعلاج حيث يشفون من هذا اللوث الديني كما يزعمون.

      و ثمة مثل أخر هو السماح بإنشاء نواد خاصة و صحف ومجلات للشواذ جنسيا في بعض البلاد، و التمادي إلى حد تزويجهم أو تزويجهن من بعضهم البعض مدنيا، على حين يعتبرون مرضى في بلاد أخرى و في مجتمع ثالث يكتفي بقبول هذا السلوك باعتباره حرية في التعبير، وقد ألغيت كلمة الشذوذ الجنسي (الجنسية المثلية) في إطار الاضطرابات النفسية في التصنيف الأمريكي 1980 وكذلك في التصنيف العالمي 1992

 على هذا النحو طال الجدل واختلفت الآراء، غير أنني أرى أن المريض العقلي هو من أصيب باضطرابات في التفكير والسلوك والوجدان والإدراك مما أدى إلى تدهور شخصيته وتغييرها حتى باتت تؤثر عليه وعلى أسرته وعلى المجتمع، وهنا يحتاج مثل هذا الشخص للعلاج حيث أن الاضطراب العقلي يحتمل أن ينشأ من أسباب عضوية مثل هبوط الكبد أو الكليتين أو الرئتين أو ورم في المخ أو إلى أسباب وظيفية فسيوكيمائية مثل الفصام والاكتئاب والهذيان. ". الخ .

      ونستطيع أن نشبه المريض النفسي بالفرد الذي يبني قصورا في الهواء أما المريض العقلي فهو يعيش في قصور من الهواء، أي أن المريض النفسي يتميز بتغير في كمية الأعراض التي تجعله يختلف عن السوي في الكم وليس في الكيف، أما المريض العقلي فيتميز بتغير كيفي ونوعى مما يجعل اتصاله بالواقع يختل اختلالا واضحا من حيث التفكير و الإدراك والشخصية.

     تحدثنا في هذه المقدمة عن المرض النفسي والعقلي، ولكن ما هي الصحة النفسية، ومرة أخرى يختلف الآراء، فيوجد من ينادى بأن الصحة النفسية هي التوافق و التآلف مع المجتمع في القيام بالمسئولية والإنتاج، غير أن هذا في تصوري استئناس بشري لمصلحة الحاكم يمنع الإبداع والخلق و لو كانت الصحة النفسية كذلك، لما ظهر الأنبياء والمخترعون والعلماء والفنانون الذين عادة ما يخالفون المجتمع و التقاليد.

      ويذهب البعض إلى تعريف الصحة النفسية بأنها هي القدرة على العطاء والحب والتضحية دون انتظار المكافأة على حين يفسرها البعض الآخر على أنها التوازن بين الهو (الغرائز) والأنا (الذات) والأنا الأعلى (الضمير) .

     وفي رأيي أن الصحة النفسية هي القدرة على التأرجح بين الشك واليقين لأن هذا التأرجح يمنح الإنسان المرونة فلا يتطرف إلى حد الخطة ولا يتذبذب إلى حد الأحجام عن اتخاذ أي قرار، إذ أن هذا التأرجح يوفر للفرد المعادلة والقوة اللازمة للانطلاق والخلق والتمتع والتكيف، ويذهب بعض رواد المدارس الجديدة في العلاج النفسي إلى أن الصحة النفسية هي التآزر والترافق بين الطفل والمراهق والناضج في كل منا، فنحن لا ننمو بطريقة أفقية من الطفولة إلى المراهقة حتى نبلغ النضج، ولكن يستمر في كل واحد منا الطفل أحيانا و المراهق أحيانا و الناضج أحيانا أخرى. فإذا تغلب الطفل في سلوكنا طغى الاندفاع وعدم التجانس والتلقائية والبعد عن التخطيط، وإذا سيطر المراهق اندفعنا وراء نزواتنا وملذاتنا بعيدا عن مذهب التخطيط، وإذا سيطر المراهق اندفعنا وراء نزواتنا وملذاتنا بعيدا عن مذهب الواقع وعدونا تحت سيطرة هيدونية مستمرة، أما إذا تغلب الناضج فينا وسيطر باتت الحياة جادة، صارمة، وتضافرت شحنته كلها لكبت الطفل والمراهق داخله، إذن فمحاولة التوازن بين الثلاث: الطفل، والمراهق والناضج في حياتنا هو الصحة النفسية للوصول إلى الغاية والسعادة المنشودة.

      حاولت في هذا الكتاب أن أعطي صورة للمرض النفسي والعقلي بعد التطورات الأخيرة، وتغير أسباب نشأته واتساع مجالات العلاج في الطب النفسي مع الاهتمام الخاص بالطب النفسي المصري والعربي وكافة الأبحاث التي بذلت في هذا الاتجاه، حيث أن العوامل الحضارية والبيئية والاجتماعية لها أثرها البالغ في نوعية الأعراض وفى كيفية علاجها ولذا وجب علينا التنويه بذلك حتى لا يتأثر الكل باستيراد كل ما هو غريب عن بيئتنا وكأنه الأصلح.

      وقد اتبعت في تصنيف الاضطرابات النفسية (يلاحظ عدم استعمال كلمة المرض) في هذا الكتاب المتفق عليه حديثا في التصنيف العالمي العاشر للأمراض 1992 الصادر من منظمة الصحة العالمية، و الذي كان لي شرف الاشتراك في إصداره.

      ثمة كلمة أخيرة، فقد تقدم العلم وتطورت الحضارة، واكتشف كثير من أسباب المرض النفسي و العقلي وأصبحت مباهج الحياة و مغرياتها بلانهاية، واستغرق الإنسان بنهم في التمتع بكل ما تصل إليه يده غير أن هذا لم يحول دون وجود المرض النفسي والعقلي، ولم يكف الإنسان عن المعاناة أو عن التفكير في مأساته الدنيوية.

      تدل الدراسات الوبائية الحديثة أن نسبة المرض النفسي بين كل الشعوب تتشابه، ولا يوجد إخلاف في انتشارها بين البلاد النامية أو الصناعية ولكن قد تختلف المظاهر المرضية.

      فقد وجد أن 30% هن مجموع السكان يعاني من أزمات اضطرابات نفسية، ويلجأ للعلاج الشعبي أو للممارس العام حوالي 30% من هؤلاء المرضى، ولا يستطيع الممارس العام المدرب تشخيص أكثر من 10% على أنها حالات نفسية ويلجأ للطبيب النفسي حوالي 2.3% ولا يدخل المستشفى النفسي أكثر من 5%، وهذا يعنى أن غالبية المرضى النفسيين يعالجون عند الطبيب العام أو الباطني ولذا يجب الاهتمام بالتعليم الطبي لفرع الطبي النفسي، وتوعية الممارس العام لعلاج هذه الفئات من المرض.

[لقد خلقنا الإنسان في كبد] [البلد: 4]

      لقد ثبت أن العلم وحده عاجز عن إسعاد الإنسان ... ترى هل يسترد الإنسان سعادته وتغمره السكينة إذا عاد إلى الإيمان؟

و تشير الأبحاث والتوقعات المستقبلية إلى احتمال زيادة الاضطرابات النفسية و العقلية في القرن الحادي والعشرين خاصة القلق، والاكتئاب والاعتماد على المواد نظرا لكروب الحضارة، وسرعة الإيقاع، وتغلب المادة على الفكر، والذاتوية المفرطة، وتقلص روح الجماعة، !وعبثية الانتماء، د أزمة الهوية الإنسانية، واهتزاز نزعة الإيمان، و محاولة الإنسان المستمر للهروب من هذا الخضم من المشقات والكروب بطرق مختلفة حتى يتسنى له عبور المرحلة الحياتية لينعم بعدها بالطمأنينة والراحة الأبدية

 

Document Code PB.0094

ترميز المستند   PB.0094

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)