Arabpsynet

أبحاث أصيلة / Original papers

شبكة العلوم النفسية العربية

 

أثــر الحصــار الاقتصــادي علــى الجوانــب  الصحيــة للأطفــال فــي العـــراق

أ. د.  سوســن شاكــر الجلبـي

 كليــة التربيــة- ابــن الهيثـــم

 جامعــــة بغــــداد

 رئيســة الجمعيـــة العراقيـــة لدعـــم الطفولـــة 2003

E.mail : sawsanshakir@yahoo.com

 

المقدمــــة :

    قبل أثنتا عشر عاما" أخذ زعماء العالم على عاتقهم في مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل الذي أنعقد في نيويورك في مقر الأمم المتحدة 29 30 / أيلول 1990 التزاما" مشتركا" ، وأصدروا نداءا" عالميا" عاجلا" طالبوا فيه بضمان مستقبل أفضل لكل طفل وأكدوا على التزامهم في تقرير وحماية ورفاه كل طفل (أي كل إنسان عمره أقل من 18 سنة ) إقرارا" بأحكام اتفاقية حقوق الطفل . وأن الأطفال أبرياء وضعفاء ويعتمدون على غيرهم وهم أيضا" محبون للاستطلاع بالأمل فمن حقهم علينا أن نوفر لهم الوسائل للتمتع بأوقاتهم في جو من المرح والسلام وأن نتيح لهم الفرص الملائمة للعب والتعليم والنماء وأن نوجههم نحو الانسجام والتعاون وأن نساعدهم على النضج من خلال توسيع مداركهم وإكسابهم خبرات جديدة .

    وأخذت الدول على عاتقها مهمة تحسين صحة الطفل وتغذيته وإنقاذ حياة عشرات الألوف من الأطفال وتوجيه الاهتمام إلى الأطفال المعوقين والذين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة وتوفير التعليم الأساسي ومحو الأمية للجميع وتوفير الفرص للأطفال لاكتشاف ذواتهم وأدراك أهميتهم في ظل بيئة آمنة مكفولة وحمايتهم من الأذى والاستغلال وتنشيط النمو الاقتصادي والتنمية بصورة مطردة في جميع البلدان .

    ولكن الأمم المتحدة التي تبنت حقوق الطفل ورعت مؤتمر القمة بشأن الأطفال هي ذاتها التي أصدرت في نفس السنة القرار 661 في 6 / 8 / 1990 والقاضي بفرض الجزاءات الدولية ضد العراق والتي مازالت هذه الجزاءات مستمرة لغاية أعداد هذه الدراسة .

    كما أن الأمم المتحدة عقدت مؤتمر الطفولة العالمي للجمعية العامة المعنية بالطفل في دورتها الاستثنائية في نيويورك أيار / 2002 لاستعراض التقدم المحرز ومتابعة قرارات حقوق الطفل واتخاذها للإجراءات الموجهة من أجل المستقبل . وأخذت على عاتقها تحقيق الكثير من الأهداف والغايات المتعلقة من أجل بلوغ الأهداف الإنمائية الدولية لعام 2015 وأهداف المؤتمر العالمي لقمة الألفية .

    أن الدراسة الحالية ستسلط الضوء على معاناة أطفال العراق جراء فرض الحصار الاقتصادي منذ عام 1990 وما تركه من آثار صحية وتربوية ونفسية واجتماعية عليهم في ضوء اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه والأهداف والقرارات التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الأطفال في دورتها الاستثنائية .

    وستكون هذه الدراسة خير دليل ومؤشر للجهات الإعلامية والسياسية الخارجية لعرض أوجه معاناة أطفال العراق جراء الحصار على المؤسسات والمنظمات والوكالات الدولية ذات الصلة بالأطفال والطفولة من أجل الضغط على الأمم المتحدة لرفع الحصار على العراق والاستجابة لبنود اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لحماية الطفل ونمائه في التسعينيات وأهداف العقد الجديد  2000 2010 .

    كما أن هذه الدراسة ستساعد الجهات التربوية والنفسية والمؤسسات المعنية بالأطفال من أجل تدارك جوانب المعاناة التي يتعرض لها الأطفال والوقوف بوجه احتمالات تأثير هذه الظواهر على شخصية الأطفال عند الكبر وقد تكون هذه الدراسة مفيدة أيضا" للجهات المعنية بالتخطيط لمجتمع ما بعد الحصار .

 

أهداف الدراسة :

   يهدف البحث إلى التعرف على آثار الحصار الاقتصادي على أطفال العراق في ضوء اتفاقية حقوق الطفل وأهداف العقد الجديد 2000 2010عن طريق الإجابة على الأسئلة الآتية :

                1.         ما آثار الحصار الاقتصادي على النواحي الصحية للأطفال في العراق ؟

                2.         ما آثار الحصار الاقتصادي على النواحي التربوية للأطفال في العراق ؟

                3.         ما آثار الحصار الاقتصادي على النواحي الاجتماعية والنفسية  للأطفال في العراق ؟

 

تحديد المصطلحات :

                1.         الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه

    وهو الإعلان الذي اقره المجتمعون في مؤتمر القمة العالي من اجل الطفل والذي انعقد في نيويورك في (30) أيلول 1990 وهدف إلى حماية الطفل ونمائه وبقائه لضمان مستقبل افضل له .(30)

                2.         اتفاقية حقوق الطفل

    وهي الاتفاقية الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة الرابعة والأربعين نوفمبر / 1989 . (30)

                3.          أهداف العقد 2000-2010

 وهي تلك الأهداف والاستراتيجيات والإجراءات التي أقرت من قبل الدورة الاستثنائية للجمعية العامة المعنية بالطفل في دورتها التي عقدت في نيويورك أيار/ 2002 والمتعلقة بالأطفال .(11)

                4.          الحصار الاقتصادي

 نعني به لأغراض هذه البحث الحظر الاقتصادي الذي فرض على العراق من قبل الأمم المتحدة بموجب القرار المرقم 661 لسنة 1990 .

                5.         الطفــل : نعني به كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه .(30)

 

الوثائق التي تم الاعتماد عليها في جمع المعلومات

                1.         الوثائق الصادرة من مؤسسات الدولة المختلفة بشان الحصار الاقتصادي .

                2.         الدراسات والبحوث ذات العلاقة بآثار الحصار على الوضع الصحي والاجتماعي والتربوي والنفسي.

                3.         تقارير الأمم المتحدة ومنظمة اليونسيف والصحة العالمية .

                4.         الإحصاءات الصادرة عن وزارات الأعلام والصحة والتربية والخارجية .

 

الفصل الثاني : أثر الحصار على الصحة النفسية

 

     أكدت المادة (39) من اتفاقية حقوق الطفل على اتخاذ الدول كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة او أي شكل من أشكال المعاملة او العقوبة القاسية او اللإنسانية او المهينة ويجري هذا التأهيل وإعادة الاندماج في بيئة تعزز صحة الطفل واحترامه لذاته وكرامته .

    وأشارت المادة (36) على الدول الأطراف ان تحمي الطفل من سائر أشكال الاستغلال الضارة بأي جانب من جوانب رفاه الطفل .

    ونصت المادة (32) على اعتراف الدول بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح ان يكون خطيرا" او ان يمثل إعاقة لتعليم الطفل او ان يكون ضارا" بصحة الطفل او بنموه البدني او العقلي او الروحي او المعنوي او الاجتماعي .

    أما أهداف العقد الدولي 2000-2010 فأكدت على :

-        حماية الأطفال من جميع أشكال الإيذاء والإهمال والاستغلال والعنف.

-        القضاء فورا" على أسوأ أشكال عمل الأطفال حسب التعريف الوارد في الاتفاقية رقم 182 لمنظمة العمل الدولية .

-    تشجيع جميع الدول في الاعتماد وتطبيق القوانين التي تكفل حماية الطفل من جميع أشكال العنف والإيذاء والاستغلال سواء" كان في المنزل أو المدرسة أو غيرها من المؤسسات او في المجتمع .

-        حماية الأطفال من التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية او اللإنسانية او المهينة .

-    اتخاذ التدابير الفعالة لحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي ومن القيام بأي عمل من المحتمل ان ينطوي على مخاطر او يحول دون تعليمهم او يكون مضرا" لصحتهم او نمائهم الجسدي او العقلي او الروحي او الأخلاقي او الاجتماعي ( 11، ص17-19).

-        تخفيض إصابات الأطفال الناجمة عن الحوادث او من أوضاع العمل الخطيرة من خلال وضع وتنفيذ تدابير وقائية ملائمة .

      ان ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل وأهداف العقد الدولي 2000-2010 يتناقض تماما" مع الآثار التي خلفها الحصار الاقتصادي على الأطفال في العراق طيلة اثنتا عشر عاما" والتي أصبحت بعض الظواهر الاجتماعية مألوفة في مجتمع الحصار فالعمل المبكر للأطفال والاستغلال الاقتصادي وقيام الأطفال بالأعمال الخطيرة والإساءة والإهمال للطفل من قبل الأسرة ، وضعف الاندماج الاجتماعي وغيرها كلها أصبحت ظواهر اجتماعية خطيرة افرزها الحصار الاقتصادي وهي تمثل اكبر إعاقة لتعليم الطفل ومضرة لصحة الطفل البدنية والعقلية والروحية والمعنوية فضلا" عن الاجتماعية .

    والفصل الحالي سيتناول تأثير الحصار على هذه الجوانب وعلى وفق المحاور الآتية :

-        العمل المبكر للأطفال

-        الضغوط النفسية للأسرة وانعكاسها على الأطفال

-        العنف وإساءة معاملة الأطفال

-        المشاكل الأسرية القائمة بين الأم والأب .

 

1-    العمل المبكر للأطفال

    تعد الظروف الاقتصادية والمعيشية والبؤس والفقر للأسرة وخاصة في حالـة ( تعطل الأبوان أو أحدهما عن العمل والكسب أو ان يكونا من ذوي الدخل المتدني او البطالة الكلية والعمالة الجزئية للبالغين) من ابرز العوامل الدافعة لعمل الأطفال ومن ثم تهيئة المناخ لاستغلال هذا العمل .

    ومن ناحية أخرى قد لا يكون عمل الأطفال مكروها او محل استنكار بل العكس قد يكون لعمل الأطفال في ظل ظروف منظمة آثارا" إيجابية على الطفل والأسرة والمجتمع ولكن الذي يبعث على القلق والخوف هو إساءة استخدام عمل الأطفال استنفاذا" لقدرة الطفل على الإنتاج كبديل رخيص عن عمل العمال البالغين. وان عمل الأطفال يضعف الطاقات والقدرات والإمكانات لجيل المستقبل في النهوض بمجتمعاتهم ويؤثر بشكل مباشر في تنمية الموارد البشرية وقدراتها التنموية . كما ان عمل الأطفال يعد انتهاكا" لحقوق الطفولة في التعليم واللعب وفي الحياة الصحية والاجتماعية المستقرة والكريمة ويدفع ببراءة الطفولة للبؤس والشقاء والاستغلال والأضرار النفسية والاجتماعية والصحية .

   ان الأعمال التي يمارسها الأطفال لها الأثر الكبير في سلوكهم وعلى الأخص الأحداث الصغار الذين لم يتمكنوا من متابعة دراستهم فانتقالهم مباشرة الى العمل للحصول على الأجر وسد حاجاتهم المعيشية او المساهمة في إعالة أسرهم يشكل خطرا" كبيرا" عليهم . كما ان هناك أخطارا" أخرى يمكن ان تلحق الأذى بالأطفال وخاصة حينما لم يتزود هؤلاء الأطفال بالخبرات الكافية التي تؤهلهم للتكيف كما ان نضجهم الاجتماعي والنفسي والجسمي لا يسمح لهم في اجتياز التجربة الاجتماعية بنجاح . ( 21 ، ص30) .

   وقد ازدادت ظاهرة العمل المبكر عند الأطفال في ظل الحصار الاقتصادي فالضغوط الاقتصادية التي واجهتها الأسر المنخفضة الدخل والتي تقع تحت خطر الفقر كانت وراء إرسال الأباء لأبنائهم الى العمل مما أدى الى زيادة نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية والحرمان الاقتصادي والتسرب من التعليم او الفشل الدراسي . كما ان قانون العمل حدد في المادة (86) على " يمنع منعا" باتا" تشغيل الأحداث الذين لم يكملوا الخامسة عشر ولا يجوز السماح لهم بدخول أمكنة العمل " . ونصت المادة (24) من قانون رعاية الأحداث على اعتبار الصغير او الحدث مشردا" إذا وجد مسؤولا" في الأماكن العامة او مارس متجولا" صبغ الأحذية او بيع السجائر او أية مهنة أخرى تعرضه للجنوح وكان عمره اقل من (15) سنة ( 24 ، قانون الأحداث ) .

   ان حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي بموجب التشريعات المذكورة قد تعطلت في ظروف الحصار الاقتصادي وأصبحت ظاهرة العمل المبكر منتشرة في عموم أنحاء القطر فأصبح الأطفال يزاولون أعمالا" في الزراعة والرعي وورش اللحام والنجارة والسمكرة وتغيير زيوت السيارات وتحضير مواد البناء والأفران والمخابز والتجوال لبيع الصحف اليومية والسلع الخفيفة وتلميع الأحذية وغيرها .

    وتشير الإحصاءات إلى ان عدد الأطفال العاملين للفئة العمرية (7-19) سنة لعام 1987 بلغت (442349) طفلا" او طفلة وبلغت نسبة الذكور 91,7% والإناث 8,3% . أما بعد عام 1990 فلا تتوفر البيانات التي يمكن من خلالها تحديد هوية عمالة الأطفال ولكن الشواهد تؤشر وبوضوح الى ارتفاع أعداد ونسب العاملين من الأطفال نتيجة الحصار الاقتصادي وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل الحقيقي للفرد الى الحد الذي لا يكفي لسد المتطلبات الضرورية لإدامة الحياة مما دفع الأباء بالاستعانة بأطفالهم للعمل . (25 ، ص15-17) .

   وفي دراسة أجريت على عينة من الأطفال العاملين في الأسواق الشعبية بمدينة بغداد ضمن مناطق ( الشورجة ، الكفاح ، البياع ، الحرية ، باب المعظم ) بلغ عددها (200) طفلا" وطفلة من الذكور والإناث وللأعمار (5-17) سنة في عام 2001 وجد ان 85% من هؤلاء الأطفال مازالوا مستمرين في الدراسة إضافة الى ممارستهم للعمل ، وأكد 64% من الأطفال ان عدد أفراد أسرهم تراوحت ما بين (7-10) أفراد وان 73% يعيشون في بيوت مؤجرة وانهم يمارسون مختلف أنواع المهن لسد نفقات واحتياجات أسرهم وان الظروف الاقتصادية القاسية هي التي دفعت عوائلهم الى تشغيلهم وأكد 45% من الأطفال بأنهم يمارسون الأعمال لسد نفقات الدراسة والاحتياجات الشخصية ولاستثمار أوقات الفراغ فضلا" عن تعلمهم لمهن الأباء والأجداد والاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية .

   وذكر 78% من الأطفال بأنهم سعيدين بممارسة المهنة ولم يشعروا بالفشل إزاء تعلمها بينما أشار 22% من الأطفال بأنهم لم يستمروا بمهنتهم الحالية بسبب عدم امتلاكهم للخبرة وضعف استيعابهم لتقنيات العمل .

  كما أوضحت النتائج ان ظروف العمل في الأسواق الشعبية لا توفر للأطفال الاحتياجات الأساسية من الطعام فقد أشار 25% من الأطفال بأنهم لا يتناولون الوجبات الغذائية الثلاث الا حسب الظروف وأكد 66% منهم بأنهم لا يتناولون الحليب والفواكه واللحوم وان أعمالهم تتصف بالحرمان والمشقة وعدم الحماية القانونية والأسرية والاجتماعية كما ان بعض الأعمال التي يمارسها الأطفال تتسم بالمشقة وتشعر الطفل بالمهانة والتهديد والإحباط والخوف من الاستغلال من قبل الكبار .

   أما معدل عدد الساعات التي يقضيها الطفل فبلغ متوسطها (10) ساعات وانهم يتعرضون أثناء العمل للتهديد والشجار والعنف والإيذاء البدني من قبل أرباب العمل وأصابتهم بحوادث العمل .

   اما ابرز المشاكل السلوكية التي كانت واضحة على سلوك بعض هؤلاء الأطفال فكانت أهمها ( التدخين ، العودة إلى البيت في ساعات متأخرة ، تعاطي المسكرات التردد على دور السينما والمطاعم والفنادق ، النوم في الشارع ، السرقة ، المضايقات والمعاكسات من قبل الكبار ) (6، ص13-18) .

   ان الوقت الذي يكرسه الأطفال للعمل ينبغي ان يمنح لراحتهم بعد اليوم المدرسي وان الحالة التي يجبر فيها أطفال العراق على العمل خارج أوقات الدوام المدرسي بسبب ظروف الحصار الاقتصادي تناقض ما اتفقت عليه الدول الأطراف الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل حيث تعترف هذه الدول في المادة (31) على ( حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون ) . كما انها تناقض ما جاء في المواد (19) و (32) و(36) و (39) من اتفاقية حقوق الطفل بل وتحول دون مشاركة أطفال العراق في الحياة الثقافية والفنية وتلجئهم للكد والكدح خارج أوقات الدوام بل وتؤدي بهم إلى التسرب من المدرسة وربما الانحراف السلوكي .

 

2-    الضغوط النفسية للأسرة وانعكاس على الأطفال .

    عانت الكثير من الأسر العراقية العديد من الضغوط النفسية بسبب تدني المستوى المعاشي للأسرة وقلة الموارد التي تحصل عليها وارتفاع خط الفقر المدقع للعائلات العراقية . كما ان الحصار الاقتصادي أدى الى تعميق التفاوت بين المستوى المعاشي للمواطنين بصورة لم يشهدها العراق سابقا" مما انعكس ذلك على العلاقات الاجتماعية وبرزت ظواهر لم تكن مألوفة في المجتمع العراقي فضلا" عن معاناة العديد من الأسر من الكآبة والقلق النفسي ومعاناة أطفالها من الحرمان العاطفي وذلك لغياب الأب ألام عن الأسرة لساعات طويلة وهجرة بعض أفراد الأسرة إلى أحد البلدان للحصول على العمل وبذلك أصبحت علاقة الطفل بأسرته غير متوازنة وغير مستقرة واصبح الطفل غير قادر على تحقيق التكيف النفسي بصورة سوية والشعور بالتهديد والخطر دائما" وأثبتت الدراسات الى ان الحرمان النفسي من ألام وانعدام الحب المتبادل بين الطفل ووالديه والتربية بأسلوب متذبذب او استخدام الأسلوب العقابي والانفصال والتفكك الأسري تؤدي جميعها الى جنوح الأحداث . كما بنيت دراسات أخرى الى ان لمعاملة الوالدين لأطفالهم تأثيرا" كبيرا" على تحصيلهم القرائي وتترك المعاملة السيئة غير المقصودة بصماتها الواضحة على دراسة الطفل إذ تقلل من اهتمامه بالقراءة وحبه للمدرسة وتؤدي بالتالي الى شعوره بالإحباط والفشل (1 ، ص27)(13 ، ص101) ( 12 ،ص4  )   وان ذلك يعد مخالفة واضحة للمادة (27) من اتفاقية حقوق الطفل التي أكدت على الدول ان تعترف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي وان يتحمل الوالدان والأشخاص الآخرون المسؤولين عن الطفل المسؤولية الأساسية عن القيام في حدود إمكانياتهم المالية وقدراتهم بتامين ظروف المعيشة اللازمة لنمو الطفل .

 

3-    العنف وإساءة معاملة الطفل

    رغم اهتمام المجتمع الدولي بالطفل وصدور اتفاقية حقوق الطفل عام 1990 والتي تعهدت بحماية الطفل وتعزيز حقوقه ودعم نموه ونمائه ومناهضة كافة أشكال ومستويات العنف الموجهة ضده وعقد مؤتمر عالمي في آب عام 2001 من قبل الرابطة الأمريكية لعلم النفس والذي كرس عن ظاهرة سوء المعاملة الأطفال child abuse  .  وان ظاهرة استخدام العنف ضد الأطفال يمثل كارثة ومأساة حقيقة لطبيعتهم الرقيقة وضعفهم في المقاومة . إلا ان أطفال العراق تعرض إلى أسوأ أشكال العنف والإساءة والإهمال بسبب ما افرزه الحصار الاقتصادي وما سببه من ضغوط نفسية واجتماعية وصحية وتربوية على العائلة العراقية فنقص التغذية والخدمات الصحية والأدوية والعناية الطبية والتي سببت في وفاة آلاف من الأطفال دون سن الخامسة من العمر فضلا" عن تردي الوضع التغذوي وارتفاع نسبة الإصابة بفقر الدم والولادات الناقصة الوزن ونقص اللقاحات والمعقمات والتلوث البيئي وانتشار الأمراض ، والحالات السرطانية بين الأطفال والإسقاط والتشوهات الخلقية تعد أسوأ أشكال العنف الذي وجه إلى الأطفال .

    كما ان الإساءة النفسية والانفعالية للطفل تجسدت من خلال حرمان الطفل من ابسط مستلزمات العيش وازدياد حالات التفكك الأسري والهجرة إلى خارج الوطن او غياب الأب و ألام عن البيت كل ذلك أدى إلى شعور الأطفال بالقلق والخوف والتهديد والخطر وفقدان الثقة بالنفس والسلوك العدواني وغيرها .

    ان أطفال العراق تعرضوا لأسوأ أشكال العنف الجسدي والانفعالي والإساءة الصحية والإهمال فضلا" عن الإيذاء النفسي وردود الأفعال العاطفية غير المرغوب فيها وان للعنف آثارا" كبيرة على الشخصية المستقبلية لهؤلاء الأطفال ومنها :

العدوان ، الشعور بالإحباط ، والقلق ، والشعور بالعجز والنقص والصراع الداخلي والمشكلات النفسية والسلوكية الطويلة الأمد ( 3، ص10 ) اذ ان صدمة الإساءة التي قد تتبدى آثارها فيما يعرف باضطراب ضغوط ما بعد الصدمة عند الأطفال وهو اضطراب يظهر في متلازمة من الأعراض مثل ( الخوف الشديد والهلع والسلوك المضطرب او غير المستقر ووجود صور ذهنية او أفكار او ذ كريات متكررة وملحة عن الصدمة والأحلام المزعجة والسلوك الانسحابي وغيرها . كما ان صدمة الإساءة تظل قائمة ونشطة التأثير على الصحة النفسية للطفل لأنها بقيت كخبرة والصدمة تعيش مع الطفل والطفل يعيش منها ( 9 ، ص21-24) .

   ان الخبرات المؤلمة التي مر بها أطفال العراق جراء العدوان الأمريكي الجبان على ملجأ العامرية في 17/1/1991 وفقدان الأطفال لوالديهم وإخوانهم وأصدقائهم كانت ابشع أنواع العنف والإساءة الانفعالية والنفسية للعديد من الأطفال الذين مروا بتلك الصدمة المروعة . ففي دراسة أجريت عام 1994 على عينة من أطفال المدارس المجاورة لملجأ العامرية بلغ عددهم (152) طفلا" وطفلة أشارت إلى ان ابرز الظواهر النفسية التي يعانيها هؤلاء الأطفال هي الشعور بالخوف وخاصة من ( الأصوات العالية ، النار ، الظلام ، البقاء في البيت لوحدهم ) والحزن والاكتئاب والرغبة في الانتقام وتذكر المواقف المؤلمة والصور الحزينة وأصوات الانفجارات العالية والنيران التي أحرقت إخوانهم وأهلهم و أصدقائهم ، والشعور بالسأم والملل والنظرة التشاؤمية للمستقبل والشعور بالحرمان والانعزال والهزال والصراخ بطريقة ملفتة للنظر . (4 ، ص20-30) .

   ان كل ذلك يتناقض مع المادة (19) من اتفاقية حقوق الطفل والاهتمام الدولي بحقوق الطفل وميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة والعهدان الدوليان لحقوق الإنسان .

 

4-    المشاكل الأسرية القائمة بين ألام والأب

    ان ألام والأب هما عماد العائلة وركنها الأساس وان أية خلافات ومشاكل بينهما تؤثر في الحال وبصورة واضحة على اتجاهات الأطفال وسلوكهم .

    وقد ورد في ديباجة اتفاقية حقوق الطفل انه لكي تترعرع شخصية الطفل ترعرعا كاملا" ومتناسقا" ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية يسودها جو من السعادة والمحبة والتفاهم ، ولكن يلاحظ انه في ظروف الحصار الاقتصادي تفاقمت الأزمات ما بين أفراد العائلة وخاصة ما بين ألام والأب وارتفعت نسبة الزيادة في هذه الظاهرة إلى 194% عما كانت عليه قبل الحصار وارتفع الوسط المرجح الى 4,78 بعد الحصار في حين كان معدله 2,47 قبل الحصار .

  ان المشاكل الأسرية القائمة بين الوالدين غالبا" ما تؤدي إلى جنوح الطفل او شعوره بالحرمان النفسي والقلق وعدم القدرة على الاستقرار وبروز السلوك العدواني لديه مما يؤثر على صحته النفسية وعلى أدائه المدرسي .(5، ص67) . وتؤشر البيانات الإحصائية إلى ان عدد الأحداث المودعين في وحدات إصلاح الأحداث قد ازدادت من (671) عام 1990 الى (27869) عام 1999/2000 نتيجة للحصار الاقتصادي والآثار الاجتماعية المترتبة عليه والناجمة عن التفكك الأسرى وحالات الطلاق والوفاة والمشاكل الأسرية بين ألام والأب ( 2، ص96) .

   أما الآثار النفسية للحصار فقد تم استقصاء هذه الظواهر والحالات الانفعالية الأخرى لدى أطفال العراق من خلال أعداد استبانه لهذا الغرض وطبقت الأستبانه على عينه مؤلفة من (2000) طفل من المدارس في العراق والمعلمين المرشدين وبرزت الظواهر النفسية والظواهر ذات الصلة بها الناجمة عن الحصار الاقتصادي المفروض على العراق ومنها :

 

1-    الشعور بالخوف والقلق

    أشارت نتائج الدراسة الى ان ظاهرة الشعور بالخوف والقلق زادت خلال فترة الحصار وبلغت النسبة المئوية للزيادة 223% وارتفع الوسط المرجح الى 4,94 بعد ان كان 2,22 قبل الحصار .

ولعل تفسير ذلك هو ان الحرمان الغذائي للطفل وعدم إشباع حاجاته الأساسية يؤدي الى تعرضه لعوامل الإحباط والكبت وشعور الطفل بالخوف والقلق والاضطرابات الانفعالية الأخرى من غضب وحزن ويأس او فقدان الشعور بالأمن و الطمأنينة فضلا" عن الخبرات المؤلمة التي تعرض لها الطفل نتيجة القصف المستمر على العراق من قبل دول العدوان والتي أدت الى زيادة حالة المخاوف لديهم .

    ودلت الأبحاث العلمية الى ان القلق يؤثر سلبا" على أداء الطفل ويضعف من مستوى تحصيله الدراسي ويشل من قدراته ويزيد من توتره ويقوده إلى الانحراف ويجعله عاجزا" عن مواجهة المشكلات والثبات أمامها وبذل المجهود لحلها .

     وبنيت دراسات أخرى إلى ان شخصية الأطفال القلقين تكون اقل شعبية واقل اجتماعية واقل إبداعية من سواهم واكثر قسوة وغلظة من الأطفال الآخرين كما ان تقديرهم لذواتهم متدنية نسبيا" وغالبا" ما يعتمدون على الكبار ولا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم  بصورة صريحة (8 ، ص13) .

    فالحصار الاقتصادي أذن له التأثير المباشر على شخصية الأطفال عينة البحث وانه يقلل من قدراتهم على مواجهة المشاكل ويخفض من مستوى أدائهم في العمل المدرسي .

   أما على المستوى البعيد او غير المباشر فالسنوات الأولى من حياة الفرد تعد أهم فترة من العمر بل هي الدعامة الأساسية التي تقوم عليها حياته النفسية والاجتماعية.

    ومن خلالها يتقرر ما إذا كان سينشأ على درجة معقولة من الأمن والطمأنينة ام سيعاني من القلق النفسي والخوف ذلك لان أية خبرة نفسية وجدانية مخيفة يصادفها الإنسان في طفولته تسجل في ذاته وقد يستعيدها لاشعوريا في الكبر فيشعر بالخوف وقد يسقط مشاعر الخوف على المواقف والخبرات المشابهة (7، ص 28-29).

 

2-    السرقة

  في ظروف الحصار الاقتصادي على العراق وبسبب الحرمان الغذائي والمادي برزت إلى العيان ظاهرة السرقة لدى الأطفال . وقد أشارت بعض الدراسات النفسية إلى ان الحرمان من الحب والمودة والاهتمام من الوالدين يلجأ الطفل إلى ملء شعوره الداخلي عن طريق استخدام أسلوب السرقة (22، ص449) .

  وقد بلغ الوزن المئوي لهذه الظاهرة 234% وارتفع الوسط المرجح الى 4,82 بعد الحصار في حين كان الوسط المرجح قبل الحصار (1,77) .

  وقد تركزت حالات السرقة بين أطفال المدارس للمستلزمات الدراسية والنقود والمأكولات بسبب الحرمان الغذائي وعدم امتلاك الأطفال ما يكفيهم من النقود لتلبية رغبتهم في شراء ما يحتاجونه من مواد غذائية او مدرسية . (5، ص35-36) .

 

3-    الاستحواذ على ممتلكات الآخرين

    تعد الرغبة في الحصول على الأشياء وحب التملك إحدى الدوافع الأساسية لدى الإنسان وتأخذ بالنمو والتطور في مرحلة الطفولة وبصورة خاصة حينما يواجه الطفل أشكالا" من الحرمان من حاجاته الأساسية فيتولد لدية نوع من السلوك العدواني الوسيلي . وقد يسلك سلوكا" عدائيا" من اجل الحصول على ما بحوزة الآخرين من حاجيات ومواد غذائية وسوى ذلك ( 17، ص152) وأشارت دراسة هارتب الى ان الأطفال في الأعم الأغلب يستخدمون أسلوب العدوان الوسيلي وللأعمار (2-8) سنوات للاستحواذ على الامتيازات  والأشياء من الأشخاص الآخرين ويشكل هذا العدوان 38% من مجمل العدوان في هذه السن ( 10، ص228-229) .

  كما قد يصاب بعض الأطفال بحالات الإحباط او الصراع الذي يحدث نتيجة إعاقة الحاجة او الرغبة عند الفرد . وإذا عجز الطفل عن التغلب على هذه المشاكل ولم يتمكن من التكيف فان كثيرا" من الاضطرابات النفسية سوف تظهر للعيان وتواكب مختلف مراحل نموه ( 8 ، ص46-47) .

  ويلاحظ ان هذه الظاهرة ازدادت بعد الحصار وبلغ الوزن المئوي 225% عما كانت عليه قبل الحصار وارتفع الوسط المرجح الى 4,15 بعد الحصار مقابل 2,25 قبل الحصار . (5، ص36-37) .

 

4-    العزلة الاجتماعية والانطواء

    أظهرت نتائج الدراسة الميدانية الى ان هذه الظاهرة ازدادت حدتها بعد الحصار وبلغت نسبة الوزن المئوي 88% وارتفع الوسط المرجح من 2,16 قبل الحصار الى 4,06 بعد الحصار .

    والعزلة الاجتماعية شكل متطرف من الاضطرابات في العلاقات الاجتماعية مع أفراد العائلة او زملاء المدرسة . وتتجلى بضعف الشعور بالانتماء وضعف التفاعل مع الآخرين ولذلك يبقى الطفل الانطوائي معزولا" ووحيدا" في غالبية الأحيان . كما ترتبط مسألة العزلة والانطواء الاجتماعي ارتباطا" وثيقا" بالمشكلات النفسية الأخرى مثل الصعوبات الدراسية وسوء التكيف الاجتماعي والمشكلات الانفعالية ويشعر الأطفال المعزولين بالخوف وفقدان الأمان وفقدان الثقة بالآخرين والنبذ والإهمال ( 22، ص388) (5 ، ص46-47) .

 

5-    الإحساس بالتهديد والخطر

    ازدادت هذه الظاهرة حدة في زمن الحصار ووصلت نسبة الزيادة في الوزن المئوي 214% وارتفع الوسط المرجح الى 4,23 بعد الحصار في حين كان معدله قبل الحصار 1.98 وان شعور الأطفال بالتهديد والخطر يعود الى عدة أسباب من أبرزها : الصراعات المستمرة بين الأبوين او الاخوة او الأباء والأبناء بسبب الظروف المادية الصعبة مما يؤدي الى خلق جو متوتر داخل الأسرة وتؤدي تلك الصراعات والتوترات الى إحساس الطفل بالتهديد والخطر ، فضلا" عن ان الحرمان الغذائي للطفل او من بعض الحاجيات الأساسية يولد لديه شعورا" بعدم الأمان من المستقبل ( 5 ، ص42) .

 

6-    الخمول وقلة النشاط

   أشارت نتائج الدراسة الميدانية الى ان من بين الظواهر النفسية التي يعاني منها الأطفال هي الخمول وقلة النشاط وقد بلغ الوزن المئوي 213 % وارتفع الوسط المرجح من 2,23 قبل الحصار الى 4,76 بعد الحصار .

ويعود ذلك إلى عدم توفر الإمكانيات المادية لدى العوائل العراقية لتوفير الاحتياجات الأساسية والألعاب للطفل , مما تحمله للتعبير عن عدم رضاه بتجميد حركته او فقدان الحافز للعب والدراسة والشعور بعدم الثقة والإحساس بالنقص والصعوبة في التحصيل الدراسي وتدفع مثل هذه المشاعر والأحاسيس الأطفال إلى الارتداد إلى أنفسهم والى الخمول والشعور بالملل والتعب وضعف الميل للنشاط .

(5 ، ص 243  ) (18، ص 373).

 

7-    الاكتئاب

    هو حالة شعور الطفل بالحزن مقرونة في الغالب بضعف النشاط ولعل ابرز العوامل التي عانى منها أطفال العراق من حالة الاكتئاب في ظل ظروف الحصار الاقتصادي هو انعدام الاهتمام من الوالدين وانشغالهم المستمر بالأعمال خارج المنزل مما اشعر العديد من هؤلاء الأطفال بأنهم لا يساوون شيئا" وانهم يستحقون الأذى والعقاب ولا يستحقون السعادة مما يؤدي الى حزنهم واكتئابهم . كما ان الصراعات العائلية والضغوط النفسية التي يعانيها أفراد العائلة زاد من شعور الأبناء بالاكتئاب .

   وقد ازداد الوزن المئوي إلى 203 % وارتفع الوسط المرجح إلى 4,28 بعد الحصار بعد ان كان 2,11 قبل الحصار (8 ، ص 148 ) (5 ، ص 44-45 )

 

8-    حدة الطبع وسرعة الغضب

    ان الحصار الاقتصادي وما سببه من آثار سلبية على أطفال العراق وزيادة حدة المشكلات النفسية والاجتماعية والتربوية والصحية أدى بهم الى حدة الطبع في السلوك والتصرفات وسرعة الغضب والتهيج . فقد ازداد الوزن المئوي لهذه الظاهرة الى 218 %وارتفع الوسط المرجح من 2,17 قبل الحصار الى 4,7 بعد الحصار وان الفروق كانت ذات دلالة إحصائية ولعل ابرز العوامل وراء ذلك هو:

-        تعرض الأطفال للإحباط والحرمان من شراء ابسط الأشياء المحببة الى نفوسهم

-        عدم حصول معظم الأطفال على الكميات الكافية من الأطعمة والمواد الغذائية المتوازنة ومعاناتهم من الأمراض الجسمية .

-          الشعور بالتعب والإنهاك نتيجة سوء التغذية مما يزيد من حدة الطبع وسرعة الغضب .

-    شعور الطفل بالجوع مما يثير الانفعالات الحادة فيه وقد أثبتت الدراسات الى ان نسبة الغضب تصل قبل الطعام الى 20 % في حين تهبط بعده الى 6 %

-      عدم الشعور بالأمان والإحساس بالتهديد والخطر بسبب الظروف المادية القاهرة التي تتعرض لها الأسرة العراقية جراء الحصار الاقتصادي ( 5 ، ص40) ( 8، ص 16 ) .

 

9-    عدم تحمل المسؤولية

    أوضحت النتائج بأن من الظواهر التي برزت بعد الحصار هي ظاهرة عدم تحمل المسؤولية من قبل الأطفال اذ ازدادت حدة هذه الحالة الى 199 % وارتفع الوسط المرجح من 2,3 قبل الحصار الى 4,58 بعد الحصار . وان هذه النتائج تؤشر على ان الأطفال في هذه المرحلة بحاجة الى سد احتياجاتهم من الغذاء والمستلزمات وغيرها لما لها من أهمية في خلق الثقة في نفس الطفل والقدرة على تحمل المسؤولية . وقد أوضحت الدراسات النفسية الى ان الطفل يستمر في نهاية سنته الدراسية الأولى في تقدمه من حيث السمات المهمة اجتماعيا مثل النضج والسيطرة على الذات والمساعدة وتحمل المسؤولية والثقة بالنفس والانسجام مع الأطفال الذين يلعب معهم وفي حالة عدم إشباع حاجاته الأساسية سيؤدي الى تأخر في مظاهر النمو الاجتماعي (20 ، ص 238) .

    ان ما جاء من أرقام وإحصاءات ودراسات نفسية تعد مناقضة لاتفاقية حقوق الطفل والأهداف الدولية للعقد 2000-2010 وتعهد الدول في حماية الأطفال من سائر أشكال الاستغلال المؤثرة على رفاه الطفل واعترافها بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي . واتخاذها التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي و إعادة الاندماج الاجتماعي للأطفال الذين وقعوا تحت وطأة اي شكل من أشكال العنف والإساءة والاستغلال والعقوبة القاسية واللاإنسانية . و إنها تؤكد على ان هذه الدول تسعى الى تدمير أطفال العراق نفسيا واجتماعيا وتربويا من خلال إصرارها على استمرار الحصار الاقتصادي على العراق لأكثر من اثنتا عشر عاما".

 

الفصل الثالث : الآثار التربوية للحصار على أطفال العراق

    

     أكدت المادة (28 ) من اتفاقية  حقوق الطفل على حق الطفل في التعليم واتخاذ التدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة .

    وجاء في المادة (29 ) على " ان يكون التعليم موجها نحو تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية الى أقصى إمكاناتها " (30، ص 29) .

    وجاء في الأهداف الدولية للعقد 2000-2010 على :

-    توسيع وتحسين الرعاية والتعليم الشاملين للأطفال في مرحلة مبكرة وخاصة للأطفال الأكثر ضعفا وحرمانا ، والقضاء على اوجه التفاوت بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي بحلول عام 2005 .

-    تخفيض عدد الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة الابتدائية ولا يزالون خارج المدرسة بنسبة 50 % . وزيادة صافي أعداد المسجلين في المدارس الابتدائية الى 90 % على الأقل بحلول عام 2010 .

-        تطوير وتنفيذ استراتيجيات خاصة لتحسين نوعية التعليم وتلبية الاحتياجات التعليمية للجميع .

-        تهيئة فرص التعليم والتدريب للمراهقين لمساعدتهم على اكتساب سبل مستدامة لكسب العيش .

-    الاشتراك مع الأطفال في تهيئة بيئة تعليم مؤاتية للأطفال يشعر فيها الأطفال بأنهم آمنون ومشمولون بالحماية من الإيذاء والعنف والتمييز وينعمون فيها بالصحة ويشجعون فيها على التعلم .

-      كفالة ان تكون برامج التعليم الأساسي متيسرة للأطفال المصابين بشتى أشكال العاهات وتستجيب لاحتياجاتهم التعليمية الخاصة (11 ، ص14-15 ) .

وأكدت الأهداف الدولية للعقد أيضا على تعزيز مكانة المعلمين ومعنوياتهم وقدراتهم المهنية وكفالة حصولهم على الأجر المناسب لقاء عملهم وتوفير الفرص والحوافز لكي يطوروا أنفسهم .

-    توفير الفرص والمرافق الترفيهية والرياضية المتيسرة في المدارس والمجتمعات المحلية وتسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السريعة التطور لدعم التعليم الأساسي بتكلفة متيسرة (11، ص16) .

   إلا ان ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل من مواد وما نصت عليه الأهداف الدولية للعقد 2000-2010 جاء متناقضا مع الآثار المستمرة للحصار الاقتصادي على القطاع التربوي في العراق فما زالت نسبة كبيرة من الأطفال هم خارج المدرسة وانخفضت نوعية  التعليم بسبب عدم توفر المستلزمات والوسائل التعليمية في المدارس وأصبحت برامج التعليم غير قادرة على تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية ، وتدهورت البيئة الصحية للعديد من المدارس فضلا" عن بروز بعض الظواهر التربوية التي كانت منحسرة قبل الحصار .

    والفصل الحالي يتناول ذلك بشيْ من التفصيل على وفق المحاور الآتية :

-        انخفاض نسبة الالتحاق في التعليم النظامي .

-        ترك الدراسة والتسرب من المدرسة .

-        ضعف الاستيعاب والفهم والتركيز والانتباه .

-        الهروب من المدرسة .

-        الغياب عن المدرسة .

-        الرسوب في المدرسة .

-        التأخر في أداء الواجبات المدرسية .

-        الأطفال المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة .

 

1-    انخفاض نسب الالتحاق في التعليم النظامي

-    أشارت البيانات الإحصائية لوزارة التربية الى ان مجموع الأطفال الملتحقين في رياض الأطفال بلغ (86506 ) في عام 1990/1991 وبمعدل التحاق (78) لكل 1000 من السكان للفئة العمرية (4-5 ) سنوات وانخفض العدد الى (70947 ) في عام 1999/ 2000 وبمعدل التحاق (59) لكل 1000 من السكان للفئة العمرية ذاتها .فضلا" عن انخفاض عدد رياض الأطفال من (134) روضة في عام 1990/1991 الى (111) روضة في عام 1999/ 2000 مما يعكس انحسارا" في الخدمات نتيجة نقص الموارد . وان الخطة الوطنية للطفولة لعام 2000 لم تحقق أهدافها في توسيع القبول في رياض الأطفال بحيث يرفع المعدل الى (97) في سنة الهدف 2000 .

-    اما بالنسبة للتعليم الأساسي والإلزامي للأطفال فتشير إحصاءات الوزارة من أعوام 1990/1995 بأنه لم تطرأ زيادات تذكر لعدد المدارس بالرغم من ازدياد عدد السكان بينما كان عدد المدارس الابتدائية (8917) مدرسة في عام 1990/1991 وعدد تلاميذها (3,328,212) انخفض عدد المدارس الى (8035) مدرسة في العام الدراسي 1994/1995 والتلاميذ إلى ( 3,277,387) تلميذ أو تلميذة . وارتفع العدد في عام 1999/2000 الى (3,634,095) تلميذا" و تلميذة في حين انخفض عدد الأبنية المدرسية وتفاقمت مشكلات ترميم وصيانة الأبنية المدرسية القائمة إذ ان الحاجة قائمة لترميم (8613) مدرسة فضلا" عن ان خطة تشييد الأبنية المدرسية تقدر الحاجة الى بناء (5132) بناية مدرسية لفك الكثافة المتزايدة من الطلبة وأعداد التلاميذ بسبب الاختناقات في الأبنية المدرسية والازدواج الثنائي والثلاثي والأبنية الآيلة للسقوط ,(25 ، ص79) وبذلك فقد بلغ معدل الالتحاق الصافي المتحقق في التعليم الابتدائي للفئة العمرية (6-11) سنة 91,7 % من السكان في هذه الفئة بدلا" من المستهدف وهو 98 % من قانون التعليم الإلزامي  كما بلغت هذه النسبة 39,2 % للفئة العمرية (12-14 ) سنة من السكان في هذه الفئة بدلا" من المستهدف وهو 65% وبلغت هذه النسبة 16,8% للفئة العمرية (15-17 ) سنة من السكان في هذه الفئة بدلا" من المستهدف وهو 44% اما نسبة القيد الإجمالية للفئة العمرية (6-23) سنة انخفضت من 55,7% عام 1990 الى 37,6% عام 1997-1998 مما يؤشر ازدياد ظاهرة التسرب والتخلف عن الالتحاق في التعليم الإلزامي (25، ص78) .

 

2-    ترك الدراسة والتسرب من المدرسة

    تعهدت الدول في الفقرة (هـ) من المادة (28) من اتفاقية حقوق الطفل في اتخاذ التدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة اي تقليل التسرب .

    وان ظاهرة التسرب تعد من المشكلات التربوية المهمة التي تعاني منها العملية التربوية في البلدان النامية , كما ان لهذه المشكلة أبعادا" اجتماعية واقتصادية خطيرة على الفرد والمجتمع أشارت الإحصاءات الرسمية الى ان ظاهرة التسرب تضاعفت خلال سنوات الحصار الاقتصادي والجدول (1) يوضح ازدياد أعداد المتسربين من التلاميذ والطلبة للمدة من 1989/1990 ولغاية 1999/2000

 

الإعدادية

المتوسطة

الابتدائية

المرحلة الدراسية

عدد الطلاب

عدد الطلاب

عدد التلاميذ

السنة

2442

33577

59673

1989/1990

2898

39078

56326

1990/1991

3260

48605

93750

1991/1992

4085

52731

67706

1992/1993

3803

49374

71705

1993/1994

4079

58465

86412

1994/1995

4969

53056

89531

1995/1996

5316

51125

75217

1996/1997

5131

42564

72598

1997/1998

5746

37607

70185

1998/1999

7098

37976

71092

1999/2000

 

(15 ، ص15)

 

    ولدى استقصاء الأسباب التي تدعو إلى التسرب وترك الدراسة ظهر ما يأتي :

أ‌-   ان ظروف الحصار الاقتصادي أدت الى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة مقابل انخفاض القيمة الشرائية لرواتب ذوي الدخل المحدود فساد اعتقاد لدى الأباء والأمهات بعدم الجدوى والقناعة بأهمية التعليم .

ب‌- ان الظروف الغير طبيعية للحصار أدى الى الارتفاع الفاحش في الأسعار وعدم قدرة الكثير من العوائل من تغطية وتمويل أبنائها من اجل الدراسة.

 ج-  تفضيل الكثير من التلاميذ العمل والاشتغال بالأعمال الحرة لسد متطلبات المعيشة لعوائلهم .

  د-  ضعف الدافعية لدى الطلبة للتعلم .

هـ- ضعف متابعة أولياء أمور الطلبة لأبنائهم في الدراسة .

( 5، ص58-59 ) (26 ، ص3).

 

3-    ضعف الاستيعاب والفهم والتركيز والانتباه

   أظهرت الدراسات الميدانية الى ان الحصار الاقتصادي اثر تأثيرا كبيرا على مستوى القدرات العقلية والذكائية للأطفال عموما" وازدادت حالات بطء التعلم والتأخر الدراسي بين التلاميذ في المدارس الابتدائية فقد بلغ عدد صفوف التربية الخاصة لبطيئي التعلم في عام 1999/2000 (484) صفا ومجموع تلاميذها (3098) تلميذا" او تلميذة .

وان ابرز ما تتطلبه عملية التعليم والتعلم هو الفهم والاستيعاب وان اي اختلال في هذا الجانب يضعف من كفاءة مجمل العملية التربوية للأطفال .

وان القدرات العقلية تتأثر تأثرا" واضحا" بطبيعة الغذاء الذي يتناوله الطفل والحالة الاقتصادية للأسرة فكلما كانت الحالة الاقتصادية حسنة كلما ساعد ذلك على قدرة الأسرة في إشباع رغبات الطفل مما يساعد على نموه العقلي والاجتماعي والانفعالي والجسمي ويصبح الطفل اكثر قدرة على التحصيل الدراسي والاستيعاب والفهم .

     كما ان العالم المحيط بالطفل كلما كان غنيا" بالخبرات والمميزات كلما زادت قدرات الطفل العقلية وقدرته على الاستيعاب والفهم للأمور المحيطة به (2، ص69-77) .

      فالظروف التي يعيش الأطفال تحتها في فترة الحصار الاقتصادي لا تساعد على أيجاد المدركات والدوافع التي تتطلبها المدرسة فلا يحصل الطفل على التعزيزات المطلوبة للنجاح المدرسي وبذلك نجد ان الطفل يكون اقل استيعابا وفهما للمواد الدراسية ونسبة ذكائه تميل الى الانخفاض (10 ، ص242) ووجدت إحدى الدراسات الميدانية الى ان الأطفال في ظروف الحصار يعانون من ضعف الانتباه وشرود الذهن أثناء الدرس ويعود ذلك الى الحرمان الغذائي والنفسي الواسع الذي يؤدي الى تخلف الإدراك العام والتأخر في النمو العقلي فضلا" عن ضعف القدرة على التركيز والتذكر والانتباه وبروز ظاهرة شرود الذهن والتخلف في التحصيل الدراسي (5، ص61)

 

4-    الهروب من المدرسة

    يعرف الهروب من المدرسة على انه الحالة التي يعمد فيها الطفل الى الهروب من المدرسة دونما عذر شرعي او قانوني ودون موافقة الوالدين او المسؤولين في المدرسة (22 ، ص493) وقد ازدادت حدة هذه الظاهرة بعد الحصار وارتفع الوسط المرجح من 1,93 قبل الحصار الى 3,72 بعد الحصار وبنسبة زيادة قدرها 193% .

    ولعل الأسباب الآتية وراء زيادة حدة هذه الظاهرة هو :

1.      الخوف والقلق بسبب تدني التحصيل العلمي للطفل .

2.       عدم إنجاز الواجبات اليومية والمذاكرة المطلوبة .

3.      الاضطرابات النفسية بسبب معاناة الأطفال من الحرمان والتأزم العائلي .

4.    قابلية الاستجابة للإيحاء لدى بعض الأطفال بتأثير من يكبرهم من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات سلوكية تباعد بينهم وبين مطاوعة النظام المدرسي وتؤدي هذه الظاهرة بالتالي الى حالة مستديمة من الضلال والضياع والفشل (18 ، ص669).(5 ، ص68).

 

5-    الغياب عن المدرسة

    برزت ظاهرة الغياب عن المدرسة في ظل ظروف الحصار الاقتصادي وبدون عذر مشروع وقد ازداد الوسط المرجح من 2,4 قبل الحصار الى 3,64 بعد الحصار وبنسبة زيادة 152% ولدى استقصاء العوامل التي أدت الى زيادة نسبة الغياب عن المدرسة اتضح الأتي :

1.   اشتغال الأطفال بالأعمال الحرة التي تشكل مورد رزق أساسي لأسرهم في الظروف المعاشية الصعبة التي تتعرض لها العائلة العراقية نتيجة الحصار المفروض على القطر .

2.    ضغط ألام على أحد أبنائها بالبقاء في المنزل والقيام ببعض الأعمال المنزلية بسبب اشتغال ألام بالأعمال الحرة خارج المنزل لكسب العيش .

3.       اعتلال صحة الأطفال بسبب سوء التغذية .(5 ، ص69)

 

6-    التأخر في أداء الواجبات المدرسية

    لاشك ان أداء الواجبات المدرسية تعد المهمة الرئيسية لتلاميذ المدارس وان اي تأخر او تلكؤ او تخلف في أدائها إنما هو خروج على النظام والأعراف والتقاليد المدرسية . وقد تضاعفت حدة هذه المشكلة في ظروف الحصار الاقتصادي وارتفع وسطها المرجح من 2,4 الى 3,7 وبنسبة زيادة قدرها 178%.

ولدى استقصاء أسباب الزيادة اتضح ما يلي :

1.   ان الحصار الاقتصادي أدى الى التأثير المباشر على صحة الأطفال ومستوى نموهم ونضجهم وتوافقهم الدراسي بصورة خاصة . وهذه العوامل تؤدي الى التقليل من قدرة الأطفال على بذل الجهود اللازمة للتحصيل وإتقان الواجبات .

2.      ان اشتغال الأطفال خارج الدوام المدرسي يقلل من كفاءتهم في مذاكرة الدروس وأداء الواجبات البيتية .

3.   ان انخفاض المستوى الاقتصادي والمعاشي لأسر الأطفال يحد من قدرتها على توفير المناخ المناسب لمذاكرة الأطفال لدروسهم وأداء واجباتهم في المنزل        (5 ، ص61-62) .

 

7-    الرسوب في المدرسة

    ان الحصار الاقتصادي أدى الى تدني نوعية التعليم وانخفاض الكفاءة الداخلية والخارجية لمخرجاته من خلال ارتفاع نسب الإهدار والرسوب في المراحل الدراسية جميعها .

    ومن خلال متابعة فوج من التلامذة في المرحلة الابتدائية وجد ان من بين مجموع التلاميذ الذكور في الصف الأول الابتدائي في عام 1992/1993 وصل 59,5% منهم الى الصف السادس الابتدائي ضمن المدة الاعتيادية وكانت النسب المماثلة للإناث 52,2% ولوحظ بأن نسب الرسوب والتسرب عند الإناث أعلى من تلك المتحققة لدى الذكور . اما في المرحلة المتوسطة فقد بلغت نسبة الذكور المسجلين في الصف الثالث المتوسط عام 1997/1998 68% فقط من المسجلين الذكور في الصف الأول اما بالنسبة للإناث فقد بلغت 62% للسنة نفسها . مما أدى الى بقاء أعداد ضخمة في هذه المرحلة مما يعني كلف وجهود إضافية مهدورة لا يمكن الإفادة منها وتؤدي الى انخفاض العملية التعليمية في العراق .(25 ، ص81).

 

8-    الأطفال المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة

    نصت اتفاقية حقوق الطفل في المادة (23) على وجوب تمتع الطفل المعوق عقليا" او جسديا" بحياة كاملة وكريمة في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع .وضمان إمكانية حصول الطفل المعاق فعلا" على التعليم والتدريب وخدمات الرعاية الصحية وخدمات إعادة التأهيل والأعداد لممارسة العمل والفرص الترفيهية وتلقيه ذلك بصورة تؤدي الى تحقيق الاندماج الاجتماعي للطفل ونموه الفردي بما في ذلك نموه الثقافي والروحي (30 ، ص77-78)

   ونصت أهداف العقد 2000-2010 على كفالة حصول الأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة على العلاج والرعاية المناسبين وتشجيع قيام الأسرة برعاية هؤلاء الأطفال كلما كان ذلك مناسب وتشجيع نظم الدعم الملائمة للأسرة وأولياء الأمر ومقدمي الرعاية لهؤلاء الأطفال (11 ، ص13) .

      ان ما جاء في هذه المواد يتعارض تماما" مع نتائج استمرارية الحصار المفروض على العراق وما سببه من آثار صحية جسيمة على الأطفال وخاصة في ازدياد عدد حالات الولادات المشوهة نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب وارتفاع عدد المواليد من الأطفال بوزن اقل من 4,5 كغم فضلا" عن إصابة الآلاف من الأطفال بأمراض مختلفة كالسحايا والحصبة والخناق والتخلف العقلي وغيرها . وان ما تقدمه الدولة من رعاية للأطفال المعاقين من خلال زجهم في المعاهد المنتشرة في أنحاء القطر وتعليمهم ورعايتهم وتعيينهم لزجهم في العمل كل حسب قدراته وإمكاناته الذهنية لا يشكل سوى 1% فقط من أجمالي أعداد المعوقين في العراق وبلغ عدد دور معاهد المعوقين في عام 1990(53) معهدا" وازداد الى (56) معهدا" عام 1999 ولكن انخفض عدد المستفيدين من (4034) عام 1990 الى (3805) مستفيدا" عام 1999 (25 ، ص97)

     وقد تم تدمير (16) معهدا" تعليميا" نتيجة القصف الوحشي للعدوان الأمريكي البريطاني على العراق . (23 ، ص2)

وبهدف دمج المعاقين اجتماعيا" عن طريق تأهيلهم وتشغيلهم والاستفادة منهم تم إنشاء الورش المحمية والجمعيات التعاونية الإنتاجية للمعوقين وأسست معاهد خاصة لتوجيه وتدريب المعوقين على مختلف المهن التي تتلاءم مع ما تبقى لهم من قدرات ويبلغ عدد هذه المعاهد حاليا" (5) معاهد  (29 ، ص33).

     اما في مجال الاهتمام بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فقد أولت الدولة اهتمامها للاهتمام بهذه الشريحة من الأطفال والتي تبلغ نسبتهم 12,5% من المشمولين بالتعليم الإلزامي في فتح عددا" من صفوف التربية الخاصة . وبلغ عدد (513) صفا" في عام 1989-1990 وبلغ عدد تلامذتها (4311) تلميذا" و تلميذة وانخفض عددها في عام 1999-2000 الى (484) صفا" وعدد تلامذتها (3098) بسبب نقص عدد الأبنية المدرسية ومستلزماتها التعليمية وتردي البيئة الصحية في أعداد كبيرة من المدارس .(25 ، ص99) . ان ما تم عرضه في هذا الفصل من الآثار التربوية للحصار على أطفال العراق من أرقام وإحصاءات ودراسات تعد مناقضة لاتفاقية حقوق الطفل والأهداف الدولية للعقد 2000-2010 وما أخذته الدول على عاتقها في توفير التعليم للجميع وتشجيع الحضور المنتظم وتنمية مواهب الطفل وقدراته العقلية وتحسين الرعاية والتعليم في مرحلة مبكرة والقضاء على اوجه التفاوت بين الجنسين وتلبية الاحتياجات التعليمية للجميع وتهيئة بيئة تعليم مؤاتية للأطفال يشعر فيها الأطفال بأنهم آمنون مشمولين بالحماية من الإيذاء والعنف وينعمون بالصحة وتوفير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لدعم التعليم وبتكاليف بسيطة .

    ان هذه الحقائق تؤكد على ان الحصار الاقتصادي يعد جريمة منظمة لقتل القدرات العقلية والتفكير الإبداعي والشخصية للأجيال المستقبلية.

فصل الرابع

الفصل الرابع : أثر الحصار الاقتصادي على الجوانب الصحية للأطفال في العراق

 

    أكدت المادة (6) من اتفاقية حقوق الطفل على "اعتراف الدول الأطراف بان كل طفل حقا" أصيلا" في الحياة " "وتكفل الدول الأطراف الى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه " وأكدت المادة (24) على " اعتراف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي ممكن بلوغه وتتخذ الدول التدابير المناسبة من اجل :

-        خفض وفيات الرضع والأطفال

-        وتوفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال .

-        مكافحة الأمراض وسوء التغذية وتوفير الأغذية المغذية الكافية ومياه الشرب النقية آخذة في اعتبارها أخطار تلوث البيئة ومخاطره

    وأكدت الأهداف الدولية للعقد (2000-2010) والتي أقرت في مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيار 2002 على :

-        خفض وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة

-        خفض معدل سوء تغذية الأطفال دون سن الخامسة

-        إعلان القضاء على مرض شلل الأطفال في العالم بحلول عام 2005

-    تعزيز نمو الطفل في مرحلة مبكرة وخاصة خلال ( فترة الحمل ، الولادة والرضاعة ، والطفولة المبكرة ، لكفالة نمو الأطفال بدنيا واجتماعيا ونمو مدراكهم.

-    تحقيق القضاء بشكل دائم على اضطرابات نقص اليود بحلول عام 2005 وعلى نقص فيتامين A  بحلول عام 2010 وخفض معدلات الإصابة بفقر الدم بما في ذلك نقص الحديد بمقدار الثلث بحلول عام 2010.

-    خفض نسبة الأسر المعيشية التي تفتقر الى مرافق صحية ومياه صالحة للشرب وضمان الحصول على ذلك من خلال إيلاء الاهتمام الكبير بتلك الأسر من اجل بناء قدرات الأسرة والمجتمع على إدارة النظم الحالية والتشجيع على تغيير السلوك من خلال التثقيف في مجال النظافة والصحة .

    ورغم ما أكدته اتفاقية حقوق الطفل والأهداف الدولية للعقد 2000-2010 الا ان الحصار الاقتصادي المفروض على العراق كان له الأثر الكبير على صحة وبيئة الطفل مما أدى الى تفاقم الأزمات الصحية وازدياد أعداد الوفيات والأمراض السرطانية والولادات المشوهة والأمراض الانتقالية والتلوث البيئي الخطير وغيرها.

    والفصل الحالي سيتناول تأثير الحصار على الجوانب الصحية للأطفال على وفق المحاور التالية :

-        وفيات الأطفال الرضع والأطفال دون الخامسة من العمر

-        الأمراض الانتقالية المنتشرة بين الأطفال

-        انخفاض التحصين الشامل للأطفال ( اللقاحات )

-        الأمراض النفسية الجسمية التي يعاني منها الأطفال جراء الحصار

-         تدهور الوضع التغذوي للأطفال

-        التلوث البيئي وأثاره على صحة الأطفال ( تلوث مياه الشرب ، تعطل شبكات الصرف الصحي ، تعطل أجهزة جمع النفايات ، تلوث الهواء) .

-        استخدام اليورانيوم المنضب وانتشار سرطانات الأطفال .

 

1-    وفيات الأطفال الرضع ودون الخامسة من العمر

    قبل الحديث عن وفيات الرضع والأطفال دون الخامسة من العمر لابد من الإشارة أولا" الى نسبة الأطفال الى السكان في العراق .

    فتشير الإحصاءات التقديرية للجهاز المركزي للإحصاء في العراق الى ان عدد سكان العراق في عام 1990 بلغ (17,890,400) مليون نسمة وبلغ نسبة الأطفال للفئة العمرية ( صفر-18) الى مجموع السكان 53,5% .

   وعند نفاذ اتفاقية حقوق الطفل في عام 1994 بلغ عدد السكان 20,007,000 مليون نسمة وبلغ نسبة الأطفال للفئة العمرية ذاتها 51,4% من السكان اما في عام 1997 فقد انخفضت نسبة الأطفال الى السكان وبلغت 49,6% .

   ان هذه النسب والمؤشرات تدلل بحد ذاتها على الأهمية الحيوية المستقبلية لتطبيق اتفاقية حقوق الطفل في العراق وان ما يصيب الأطفال من حصار ودمار و أمراض ينعكس على مستقبل العراق وأجياله والجدول (2) يوضح نسبة الأطفال الى السكان للسنوات 1990-1997 . (25،  ص15).

 

نسبة الفئة العمرية (صفر-18) الى السكان

السنوات

53,5

1990

52,9

1991

52,4

1992

51,9

1993

51,4

1994

51

1995

49,9

1997

 

-      بالرغم من ان العراق حقق إنجازا" مهما" في خفض معدلات وفيات الرضع والأطفال دون الخامسة من العمر للفترة من 1985 ولغاية 1990 والتي أثبتت ذلك نتائج المسح الصحي الشامل الذي نفذته وزارة التخطيط عام 1990 بأشراف ومساهمة خبراء المنظمات الدولية ما يلي :

·         خفض معدل وفيات الأطفال الرضع الى (25) وفاة لكل (1000) ولادة حية

·         خفض معدل وفيات الأطفال دون الخامسة من العمر الى (52) وفاة لكل ( 1000) ولادة حية .

·         نسبة تغطية الأطفال دون السنة بلقاح التدرن (BCG) 96%

·         نسبة تغطية الأطفال دون السنة بلقاح شلل الأطفال 90%

·         نسبة تغطية الأطفال دون السنة بلقاح الثلاثي 90%

·         نسبة تغطية الأطفال دون السنة بلقاح الحصبة 62%

·         انخفاض معدل الإصابة السنوي بالإسهال للأطفال دون سن الخامسة الى 3%

·         انخفاض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بسب الإسهال الى واحد لكل ألف طفل .

·         خفض نسبة الأطفال المولودين بأوزان تقل عن 2,5 كغم الى 4% .

-    نتيجة الحرب عام 1991 ونقص الموارد المتاحة للدولة منذ عام 1990 تراجعت الخدمات الصحية وانخفضت نسبة التغطية لبرامج التلقيحات . وقد أظهرت دراسة فريق جامعة هارفرد الدولي لعام 1991 الى :

-        ارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضع الى 92 وفاة لكل 1000 ولادة

-        ارتفاع معدل وفيات الأطفال دون الخامسة الى (128) وفاة لكل 1000 ولادة .( 29 ،  ص23) .

أظهرت إحصائيات وزارة الصحة الى :

-        ارتفاع نسبة المواليد بوزن اقل من 2,5 كغم من 4,5 % عام 1990 الى 17,6% عام 1992 و 22,05% عام 1995 و 24,8% عام 2000 كما هو مبين في الشكل (رقم 1) .

-        بلغ معدل عدد الوفيات للأطفال الرضع 107,9 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية في عام 2000.

-    ارتفاع معدلات وفيات الأطفال دون الخمس سنوات من (7110 عام 1990) الى (27473 عام 1991) و (52905 عام 1994 ) و (84012 عام 2001) وبمعدل 130,6 حالة لكل 1000 ولادة حية. كما مبين في الشكل (2)

-        ارتفاع مجموع الوفيات في القطر من (27334 عام 1989) الى (1,717,314 لغاية حزيران عام 2002 ) .

-    ان الأسباب الرئيسية لهذه الوفيات هي : الالتهابات التنفسية الحادة ، الإسهال الحاد ، الالتهابات الأمعاء ، أمراض سوء التغذية وهي من أهم الأسباب المنتخبة لزيادة الوفيات ( 26 ، ص1-7) .

 

2-    الأمراض الانتقالية المنتشرة بين الأطفال

     لقد مر على العراق اكثر من أثني عشرة عاما" من العدوان وفرض الحصار الاقتصادي الجائر عليه الذي تسبب في ارتفاع معدلات الوفيات وظهور أمراض كانت مختفية او كادت ان تختفي منه . اذا نجد ان الأمراض الانتقالية قد زادت معدلات الإصابة بها بعد العدوان وفرض الحصار . والجدول (3) نلاحظ فيه الأرقام المتصاعدة في الأمراض الانتقالية وتأثير الحصار والعدوان عليها من خلال المقارنة بين عامي 1989-1999 .

 

جدول (3) يوضح اثر الحصار على عدد الإصابات بالأمراض الانتقالية في العراق

 

عدد الحالات عام 1999

عدد الحالات عام 1989

اسم المرض

142

96

الخناق

466

368

السعال الديكي

4127

514

الحصبة الألمانية

25554

9639

النكاف

2398

صفر

الكوليرا

23392

1812

التايفوئيد

535140

73416

الجيارديا

609920

19615

الزحار الأميبي

13150

1816

التهاب الكبد الفيروسي

744

491

الحمى السوداء

7083

2464

حمى مالطا

3506

372

داء المقوسات

440

370

الأكياس المائية

35343

صفر

الجرب

27

25

داء الكلب

 

3-    انخفاض التحصين الشامل للأطفال ( اللقاحات )

    أولي موضوع تحصين الأطفال دون السنة باللقاحات اهتماما" مميزا" من قبل العراق ولكن المتحقق في هذا المجال قبل سنوات الحصار اكثر فاعلية منها خلال سنوات الحصار فعلى سبيل المثال كانت نسبة الأطفال بعمر سنة المحصنون ضد الحصبة عام 1990 (58,7% ) أصبحت في عام 1993 44,3% وفي عام 1994 53,1% وفي عام 1998 81% . وفي الوقت الذي بلغت فيه نسبة الأطفال بعمر سنة المحصنون ضد مرض السل 66,1% عام 1990 انخفضت الى 54,3% عام 1993 وبلغت نسبتها 56,6% عام 1994 .

    ودأبت وزارة الصحة الى تنظيم حملات وطنية شاملة للتلقيح ضد شلل الأطفال في عموم القطر وعلى مرحلتين لتغطية جميع الأطفال دون الخامسة من العمر بهدف القضاء على فايروس شلل الأطفال واستئصال المرض في نهاية عام 2000 وفعلا" تم تخفيض عدد حالات شلل الأطفال من (186) حالة عام 1991 و (57) حالة عام 1993 و (31) حالة عام 1997 الى (4) حالات عام 2000 . وتم تخفيض عدد حالات الحصبة من (11358) عام 1991 الى (726) حالة عام 2000 ( 25 ، ص32-33) ( 27 ،  ص 1-7) .

 

4-    تدهور الوضع التغذوي للأطفال

    حددت منظمة الفاو معاييرا" للأحتياجات البشرية من السعرات الحرارية اليومية للأطفال ما بين 1360 سعرة للأطفال بين عمر ( سنة الى ثلاث سنوات ) لتصل الى (3060) سعرة للأطفال الذكور بين (15-18) سنة ويبلغ متوسط السعرات الحرارية (2436) سعرة يوميا". ويؤدي النقص في كمية السعرات الحرارية الى ( نقص التغذية ) فينجم عن عدم احتواء الطعام على قدر مناسب من الفيتامينات والمعادن والبروتينات والطاقة اللازمة للصحة والنمو . ويرتبط نقص وسوء التغذية بالمستوى المعاشي للفرد الذي يتدرج من المستوى الملائم الى مستوى الفقر المدقع.

   وشخصت منظمة اليونيسف أسباب سوء التغذية بعدم كفاية الأمن الغذائي للأسرة والأمراض وعدم كفاية الغذاء .

   وتشير إحصائيات الجهاز المركزي الإحصاء الى ان معدل حصة الفرد في العراق من السعرات الحرارية لعام 1988 بلغت (3581) سعرة حرارية في حين انخفض معدل عدد السعرات الى (2030) سعرة يوميا" عام 1998 .

    كما انخفضت نسبة البروتينات من 102 غم يوميا" عام 1989 الى 45 غم يوميا" عام 1998 . وتشير الإحصاءات أيضا" الى ان 29% من الأطفال هم دون الوزن الطبيعي في عام 2001 بينما بلغت هذه النسبة عام 1991 9,2% وان 12% من الأطفال مصابين بالهزال الشديد لعام 2001 بينما بلغت في عام 1991 3% . وان 28% من الأطفال دون سن الخامسة أصيبوا بالتقزم في عام 2001 بينما بلغت في عام 1991 18,7% .

    وان نسبة عدد الأطفال في سن (6-11) سنة المصابون بتضخم الغدة الدرقية بلغت 44% خلال الفترة (1995-1997).

    وان 59% من الأطفال دون سن الخامسة من العمر للفترة (1990-1997) يعانون من سوء التغذية . وان نسبة استهلاك أفراد العائلة للملح المدعوم باليود بلغت 70% خلال الفترة (1995-1997) (25 ، ص39-40) (25 ، ص26-27) ( 27، ص1-7) . ومن خلال البيانات المذكورة آنفا" يمكن ان نقوم الوضع التغذوي في زمن الحصار بأنه يشير الى حصول تدهور واضح في هذا المجال وانعكس ذلك في ارتفاع معدلات وفيات الأطفال دون الخمس سنوات مع نقص الدواء ومستلزمات الصحة الأخرى .

    فضلا" عن ان تنفيذ مذكرة التفاهم ( النفط مقابل الغذاء والدواء ) لم يوفر الفرص الكافية لحل المشكلات الصحية المتفاقمة بسبب المعوقات التي وضعتها لجنة 661 والتي عطلت توفير الدواء الكافي والمستلزمات والأجهزة الطبية وغيرها .

 

5-    الأمراض النفسية الجسمية التي سببها الحصار الاقتصادي على الأطفال

    ان الحرمان الغذائي ونقص المواد الغذائية المقدمة وقلة تناول الطفل للبروتينات والفيتامينات والسكريات والكاربوهيدرات أدى الى ازدياد حدة الظواهر النفسية الجسمية وانتشارها بين الأطفال في المدارس الابتدائية . ومن خلال نتائج الدراسة الميدانية التي أجريت على (2000) طفل من أطفال هذه المدارس وجد ان أهم هذه الأمراض هي :

1-    الدوار ( الدوخة)

    من المعروف ان فقر الدم الذي ينتج عن نقص المواد التي يتوافر فيها عنصر الحديد تسبب من ضعف المقاومة العامة للأمراض وقد وجد ان ان معظم الأطفال الذين يعانون من فقر الدم (الأنيميا) لديهم أعراض كالدوار والصداع والآم في المعدة  والتعب والإرهاق ووجد ان ذلك يؤثر تأثيرا" على الطفل فتزيد حالات الهروب والغياب من المدرسة فضلا" عن التدني من مستوى التحصيل الدراسي . وأشارت نتائج الدراسة الى ازدياد الوزن المئوي لهذه الحالات الى 206% بعد الحصار وان الوسط المرجح قد ازداد من 2,45 قبل الحصار الى 5,06 بعد الحصار .

 

2-     الإغماء

    وهو عبارة عن فقدان تام للوعي لمدة قصيرة وانحطاط قوة العضلات والسقوط أرضا" ولعل الأسباب الرئيسة للإغماء هي الانفعالات المفرحة والمحزنة او الألم الشديد والتسمم الغذائي وفقر الدم ( 16 ، ص139) . وأشارت نتائج الدراسة الى زيادة الوزن المئوي لهذه الظاهرة بعد الحصار الى 192% وارتفاع الوسط المرجح الى 3,57 بعد الحصار بدلا" من 1,86 قبل الحصار .

 

3-    التقيوء

ازدادت ظاهرة التقيؤ بين الأطفال فيما بعد الحصار وهي من الأمراض النفسية الجسمية وبوزن مئوي 194% وارتفع الوسط المرجح الى 4,27 بعد الحصار في حين كان معدله قبل الحصار  2,2. وتعود الأسباب الى إصابة بعض الأطفال بالأمراض العضوية المختلفة ، و إرغام الطفل على تناول بعض الأطعمة غير المحببة الى نفسه ، والانفعال الشديد الذي يتعرض الطفل ، ورفض الطفل للحياة الكئيبة التي يعيشها نتيجة الصراعات الوالدية .

 

4-    الآم الرأس

    وجد ان هذه الظاهرة النفسية الجسمية ازدادت بعد الحصار وارتفع الوزن المئوي الى 190% والوسط المرجح من 4,82 بعد الحصار في حين كان قبل الحصار 2,52 .

    وتعود الأسباب الكامنة وراء ذلك هو سوء التغذية و إصابة الطفل بفقر الدم الشديد وضعف الشهية وحرمان الطفل من بعض الوجبات الأساسية . ان كل هذه العوامل تؤثر التأثير الكبير على القدرات العقلية وخاصة التفكير والاستيعاب والتركيز والانتباه .

 

5-    التشنجات العضلية

     تظهر غالبية التشنجات العضلية في هيئة حركات تلقائية غير إرادية على سلوك الطفل مثل قضم الأظافر وزيادة حركة رموش العين او هز الكتف من وقت الى آخر او تحريك الرأس جانبا" او مص الأصابع او عض الأقلام وسواها من الحركات . وتظهر على الطفل في بعض الأحيان حالات التشنجات الهستيرية والبكاء والرعونة والعبث . وهذه جميعها حركات عصبية لا إرادية ترجع الى التوتر النفسي الشديد الذي يعبر عنه الطفل بتلك الحركات بصورة متتابعة وبصورة تسلطية قهرية غير إرادية وقد أوضحت الدراسات ان للتشنجات العصبية تأثيرا" واضحا" على الحالة العقلية للأطفال حيث تسبب شرود الذهن وتشتت الانتباه وصعوبة التركيز والتفكير والانتباه ( 7 ، ص18).

    وقد ازدادت حدة الظاهرة بعد الحصار وازداد الوزن المئوي 201% في حين الوسط المرجح بعد الحصار الى 3,75 في حين كان وزنه قبل الحصار 1,87.

ومن ابرز الأسباب وراء هذه الزيادة هو الشعور بالحرمان وخاصة الحرمان الغذائي والحرمان العاطفي وعدم إشباع حاجات الطفل من الحب والدفء والقبول والتقدير وعدم وفاء الأباء بوعودهم التي قطعوها للأطفال وحرمانهم من الحاجات الضرورية .

 

6-    الآلام واضطرابات المعدة

     لوحظ ان 16,6% من أفراد العينة البالغ عددها (2000) طفلا" كانوا يشكون من الآلام في المعدة وازداد الوزن المئوي الى 219% والوسط المرجح الى 4,71 بعد الحصار في حين كان الوسط المرجح 2,15 قبل الحصار . ويعود ذلك الى سوء نوعية الغذاء الذي يتناوله الأطفال ، وعدم تناول الوجبات الكافية من الطعام ، وحرمان بعض الأطفال من تناول إحدى الوجبات الأساسية فضلا" عن الأزمات النفسية بسبب اضطراب العلاقات داخل الأسرة نتيجة انخفاض المستوى المعيشي للأسرة .

 

7-    التعب والإرهاق

     ان عدم تناول الأطفال للوجبات الأساسية من الغذاء وافتقارها الى العناصر المهمة في نمو الطفل ( كالبروتينات والفيتامينات والكاربوهيدرات) أدى الى شعور هؤلاء الأطفال بالإعياء والتعب والإرهاق . وينشأ هذا الشعور عند استهلاك الجسم للنشويات المخزونة فيه وخاصة الكبد والعضلات إضافة الى النقص في فيتامين B1 الموجود في الحليب والبيض واللحوم والفواكه . ويتسبب هذا في فقدان الشهية وبطء النمو والتعب والإنهاك ( 2 ، ص19) .

    وازداد الوزن المئوي لهذه الظاهرة الى 196% والوسط المرجح الى 4,86 بعد الحصار في حين كان الوسط المرجح قبل الحصار 2,48 .

    ومن الواضح ان هذه النتائج تتناقض تماما" مع ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل في المادة (5) التي أكدت على ان لكل طفل حقا" أصيلا" في الحياة وتكفلت ببقاء الطفل ونموه والمادة (24) التي أكدت على حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وتعهدها بان تبذل قصارى جهودها لتضمن بان لا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه .

 

6-    التلوث البيئي وأثاره على صحة أطفال العراق

   كشفت نتائج الحرب التي شنتها قوات التحالف ضد العراق في عام 1991 عن تلوث وتدمير بيئي وصحي قل نظيره في التاريخ وان أثاره شاخصة وتأثيراته الخطرة ستستمر لأجيال قادمة ويمكن توضيح ذلك بما يأتي :

 

1-    تلوث مياه الشرب

     أصيبت مياه الشرب العاملة بالشلل التام في عموم القطر وتوقفت عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي بعد الحرب مباشرة في 17/1/1991 وبعد انتهاء الحرب وعودة الطاقة الكهربائية تم تشغيل مشاريع تصفية مياه الشرب وبطاقات محدودة جدا" واظهر المسح الذي اجري في حزيران 1995 لمناطق الوسط والجنوب بان نسبة تغطية المياه الصالحة للشرب لسكان الحضر بلغت 90% في حين باغت 46% لسكان الريف. وبلغت نسبة التلوث البكتريولوجي في نماذج مياه الشرب 12% مقارنة بتلك النسبة قبل الحرب والبالغة 3,8% .

     كما ان تعطيل وامتناع لجنة 661 عن استيراد المواد الكيمياوية المستخدمة في عمليات التصفية والتعقيم وشحة المواد الاحتياطية اللازمة في صيانة وحدات التصفية والتنظيم قد تسبب في انتشار الأمراض وانخفاض المستوى الصحي العام.

    وأظهرت برامج مراقبة نوعية مياه الشرب ان اكثر من 55% من النماذج المحللة خلال العام كانت غير صالحة للاستهلاك البشري في بعض المحافظات وان مادتي الكلور والشب اللازمتين لتعقيم مياه   الشرب تكاد ان تكون مفقودة .

    وبينت الدراسات المسحية لمحافظات البصرة وميسان والنجف ان 35% من نماذج المياه التي أخذت كانت ملوثة وان 40% من قراءات تركيز الكلور الحر المتبقي في نماذج المياه كانت صفرا" .

    وان حصة الفرد الواحد من المياه قد انخفضت استنادا" الى مسوحات منظمة اليونيسف ومنظمة Care العالمية للأعوام 1997-2000 فقد انحدرت حصة الفرد الواحد من الماء الى (218) لتر في اليوم سنة 1997 و (150) لتر في اليوم سنة 1999/2000 بعد ان كانت (330) لتر قبل الحرب .

    ولاحظ الدكتور ديفيد لنيسون ان العراق يعاني من الأمراض الناتجة عن تلوث مياه الشرب مثل التيفوئيد والدوسنتاريا والتهاب الكبد الوبائي والكوليرا. في حين ان خطر الوفاة بالنسبة للطفل المصاب بالدوسنتاريا لم تكن تزيد عن 600:1 في عام 1990 بينما قفزت النسبة حاليا" الى 50:1 عام 2000 وأشارت الدراسة الى ان زيادة الأملاح المعدنية في المياه سيؤدي الى ارتفاع شديد في أعداد المواطنين العراقيين المصابين بمشكلات و أمراض الكلى فضلا" عن حالات و أمراض أخرى خطيرة . (25 ، ص54) ( 28 ، ص1-5) .

 

2-    الصرف الصحي

    كان للعدوان واستمرار الحصار آثاره الخطرة على البيئة ، فقد توقفت خطط التنمية في مجال تنفيذ مشاريع المجاري بسبب تعذر استيراد المعدات والمواد اللازمة لها وان توقف تلك المشاريع او لبعض مراحل التصفية فيها أدى الى تصريف المياه مباشرة الى المصادر المائية بدون معالجة مما سبب تلوث مستمر في نوعية هذه المياه وعدم إمكانية استخدامها للأغراض الأخرى .

    وقد أظهرت البحوث التي أجريت مؤخرا" انه تم تصريف كميات هائلة من المياه المتخلفة الى البيئة دون معالجة ووجدت تراكيز الأوكسجين المذاب والاحتياج الحيوي للأوكسجين هي أدنى من متطلبات المواصفات المطلوبة مما يؤشر تلوثا" كبيرا" .

    ان إصرار اللجنة الخاصة 661 على عدم الموافقة على استيراد قطع الغيار والمواد المطلوبة لأغراض تصفية المياه والصرف الصحي سيلحق الأذى والتدمير الكامل للبيئة وخاصة حين تتحول الأنهر الى مصدر رئيسي للتلوث البيئي مما تشكل تهديدا" جديا" للصحة العامة . ( 28، ص1-5) .

 

3-    تعطيل أجهزة النفايات

    تقوم المؤسسات البلدية في العراق بتقديم خدمات البلدية كاملة وبصورة مجانية لعموم المواطنين بيد ان استمرار الحصار قد ترك آثارا" خطرة على واقع هذه الخدمات تمثل في معاناة هذه المؤسسات في عملية رفع النفايات من داخل المدن . حيث يلاحظ على سبيل المثال ان أجهزة البلدية المتخصصة قامت برفع حوالي (440,000) ألف طن من النفايات في عام 1994 بينما بلغ كمية النفايات المطروحة (1,648,000) للفترة نفسها وان معدل إنتاج الفرد الواحد من النفايات والمقدرة بـ(0,07)كغم / يوم والذي يقل عن المعدل قبل العدوان الذي كان بحدود 70% خلال عام 1994 وقد أدى هذا العجز الى تجميع أكداس النفايات في الساحات والفضاءات داخل الأحياء السكنية مما خلق مناخا" بيئيا" ملوثا" . كما ان عدم توفر المضخات والأنابيب والمستلزمات الأخرى لفتح شبكات تصريف مياه المطر مما اضطر الى العودة الى الأساليب البدائية لتصريف المياه المتجمعة في الشوارع والأحياء السكنية في المحافظات وذلك بفتح مبازل سطحية وسواقي والتي لها تأثيرات بيئية وصحية عديدة بسبب تجمع المياه وتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض والأوبئة ( 28،ص9-10) 025، ص 80).

 

4-    تلوث الهواء

    أدى العدوان الثلاثيني الى حصول حالات تلوث في الهواء لم تكن موجودة سابقا" اذ كانت السحب السوداء والدخان والأبخرة تغطي سماء العراق مما أدى الى صعوبة التنفس وخصوصا" لدى المرضى المصابين بالحساسية والربو ، وأكدت مختلف الدراسات التي قام بها خبراء  مختصون على ان غالبية الإصابات بسرطان الجلد والتي شخصت بعد العدوان كانت متأتية من تلوث الهواء خلال العدوان وبعده . كما أثرت الأمطار الحامضية والغازات المتصاعدة من قصف المنشآت النفطية بشكل مباشر على إنتاجية المساحات المزروعة بالمحاصيل المختلفة بصورة عامة الى جانب زيادة قطع الأشجار في مختلف أنحاء العراق لاستخدامها كوقود للتدفئة والطبخ نتيجة لتوقف الإمدادات من النفط والغاز بسبب ضرب المنشآت النفطية خلال العدوان .

ان التلوث الكبير الحاصل في البيئة سواء كان كيمياويا" ام فيزياويا" وربما بايولوجيا" قد اشر زيادة في الإصابة بمختلف الأمراض الانتقالية وأمراض نقص التغذية وحالات الإصابة بفطريات معينة لم يسبق وان لوحظت من قبل وهذا يعكس استخدام الولايات المتحدة وحلفاؤها موادا" بايولوجية ومن هذه الأمراض ( الكوليرا ، الخناق ، الحصبة الألمانية ، ذات الرئة ، التهاب السحايا ، السرطانات المختلفة ) ان الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد الشعب العراقي وأطفاله هي من جرائم الإبادة الجماعية وتعد انتهاكا" فاضحا" لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب ، وخرقا" متعمدا" لبرتوكول جنيف ( المادة 54) التي تنص على " يحظر مهاجمة او تدمير او نقل او أتلاف الأشياء التي لا غنى عنها للسكان المدنيين المواد الغذائية والمحاصيل والماشية ومنشآت مياه الشرب وتجهيزها وشبكات الري لغرض حرمان المدنيين من أهميتها في معيشتهم " .  ( 27 ، ص5) 28 ، ص1-5) .

 

5-     استخدام اليورانيوم المنضب وانتشار سرطانات الأطفال

     تعرض العراق الى ضربات وحشية من القوات الأمريكية خلال العدوان الثلاثيني على العراق فاستخدمت هذه القوات القذائف المحرمة دوليا" التي تحتوي على اليورانيوم المنضب والمواد المشعة فضلا" عن استخدام الأسلحة الحارقة كقنابل النابالم والقنابل العنقودية الموجهة بالليزر مما سبب تلوث خطير بالبيئة .

    ان القوات الأمريكية استخدمت اكثر من (940) ألف قذيفة يورانيوم منضب صغيرة و(14) ألف قذيفة يورانيوم منضب ( قصف دبابات ) وتفجير عربتين محملتين بقذائف اليورانيوم المنضب بهدف انتشار جزيئاتها السامة في الجو . كما أطلقت القوات البريطانية (88) ألف قذيفة يورانيوم منضب على العراق باعتراف من وزير الدفاع البريطاني .

     و أشارت الوثائق الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية الى ان أمريكا استخدمت (300) طن من اليورانيوم المنضب في قصف القوات العراقية في القاطع الجنوبي من ساحة العمليات العسكرية بضمنها القوات التي كانت موجودة في الكويت و أثناء العودة الى محافظة البصرة على الطريقين الداخلي والساحلي في حين تشير المعلومات التي نشرتها مجموعة السلام الأخضر الأمريكية ومؤسسة لاركا الهولندية الى ان أمريكا قد استخدمت (700-800) طن من اليورانيوم المنضب في قصف القطعات العراقية خلال الفترة ذاتها .

   ان هذا النوع من السلاح كما هو معروف محرم دوليا" بموجب اتفاقيتي لاهاي الأولى لعام 1899 والثانية لعام 1907 واتفاقيتي جنيف الأولى لعام 1925 والثانية لعام 1949 فضلا" عن تعارضه مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي والإنساني حيث تم التأكيد خلال هذه الاتفاقيات على :

-        تحريم استخدام الأسلحة التي تسبب أذى ومعاناة شديدة وغير مبررة .

-        تحريم استخدام الأسلحة التي تسبب أذى لغير المحاربين .

-        تحريم استخدام الأسلحة التي تسبب أضرارا" شديدة واسعة الانتشار وبعيدة المدى للبيئة .

    وان كلا" من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد قبلت بهذه المبادئ وهي مثبتة في الدليل الاسترشادي للجيش الأمريكي تحت عنوان ( قانون الحرب البرية لعام 1956) ( 28، ص7) .

  ان التلوث الخطير الذي احدث في البيئة سيستمر آثاره الى اكثر من 4500 سنة أي أطول من عمر الأرض .

   وفي دراسة أجريت عام 2001 على الأمراض والمشاكل الصحية المرتبطة باليورانيوم المنضب كمصدر للإشعاع المؤين اتضح ازدياد عدد حالات السرطانات والإسقاط والتشوهات الخلقية واعتلال العضلات والأعصاب وضمور الغدة الدرقية والعقم وتأخر النمو وعجز الكليتين وتقرن الجلد وازدياد حالات استقساء الدماغ وعدم نمو الدماغ (14 ، ص5) .

    وبينت دراسة أخرى الى ازدياد ظهور الكروموسومات الثلاثية والأحادية وبشكل خاص للأزواج (21,13,18) والكروموسوم الأحادي وتزايد أمراض العين كحالات انفصام الشبكية الولادية واختفاء المقلة ( كرة العين ) وصغر حجم العين وغشاوة (عتمة القرنية ) وظهور الحبيبات في القزحية كما تزايدات حالات أمراض الأيض نتيجة نقص الأنزيمات ( 9 ، ص10) وكما يوضحها الجدول (4)

 

نسبة الزيادة

عدد الحالات عام 1997

عدد الحالات عام 1989

الأمراض

1,7

10931

6555

السرطان

1,8

869

477

العقم

1,9

10165

5199

عجز الكليتين

2,1

449

211

تقرن الجلد

1,7

216

123

ضمور الغدة الدرقية

1,6

43429

27680

الإسقاط

1,8

1434

810

التشوهات الجنينية

1,96

10165

5199

زيادة اليوريا في الدم

1,79

25560

14215

انفصام الشبكية

 

    أما أنواع السرطانات المنتشرة لأقل من 15 سنة لعام 1997 فالجدول (5) يوضح ذلك : (28،  ص1-9) .

 

النسبة

أنواع السرطانات

42,9

سرطان الدم

17,2

سرطان الغدد اللمفاوية

16,5

سرطان

12,7

سرطان الكلية

5,4

سرطان العظام

21,8

أخرى ( القصبات ، الجلدية ، البلعوم .)

 

    ان ما جاء من أرقام وحقائق حول الوضع الصحي والبيئي والتغذوي لأطفال العراق في هذا الفصل يتناقض تماما" مع ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل والأهداف الدولية للعقد 2000-2010 . وما أخذته الدول على عاتقها من عهد في خفض وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة وتكفلها بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي وبقاءه ونموه ، وتوفير المساعدات الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال وتوفير المياه الصحية النقية والأغذية المغذية الكافية وحماية البيئة من مخاطر التلوث .

    وتقليص نسبة الإصابة بمرض شلل الأطفال والقضاء على اضطرابات نقص اليود ونقص فيتامين A وخفض معدلات الإصابة بفقر الدم وضمانها لنمو الأطفال نموا" سليما" من النواحي البدنية والاجتماعية والعقلية في مرحلة الحمل والولادة والرضاعة والطفولة المبكرة .

  ان استمرار الحصار الاقتصادي على العراق يعد شكلا" من أشكال الإبادة الجماعية المنظمة وتدمير وقتل جيل بعد آخر ينبغي ان يحاسب عليها المجتمع الدولي والأعراف والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان الطفل .

 

الخاتمــــة

    إن ما تم عرضه من نتائج خطيرة للحصار الاقتصادي على الأجيال المستقبلية تعد من الجرائم الخطيرة التي تتنافى مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والأطفال . ويتناقض مع اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته التي جاء في البند (36) على أنه ((ليس ثمة قضية أحق بإيلائها أولوية عليا من قضية حماية وتنمية الأطفال الذين يعتمد عليهم بقاء استقرار وتقدم جميع الأمم ، بل والحضارة الإنسانية أيضا" . لذا ينبغي أن تولي الجهود الوطنية والدولية أولوية عليا لتنفيذ بنود الإعلان وخطة العمل تنفيذا" كاملا")) .

    وجاء أيضا" في الأهداف الدولية للعقد 2000 2010 على الدول ((تقييم ورصد الجزاءات على الأطفال وكفالة توفر الاستثناءات الإنسانية التي تتركز على الأطفال والتي يتم صياغتها بناء على مبادئ توجهية واضحة لتطبيقها من أجل معالجة الآثار السلبية للجزاءات )) . (11 ، ص 20) .

     أن ما تم تدوينه في اتفاقية حقوق الطفل والأهداف الدولية للعقد 2000 2010 يتناقض تماما" مع ما اتخذته الدول بالإجماع بفرض الحصار على العراق بموجب القرار 661 في عام 1990 واستمرار الحصار لأكثر من أثني عشرة عاما" دون أن يكون هناك له أي مبرر أو مسوغ قانوني حتى أن مذكرة التفاهم (النفط مقابل الغذاء) لم تأخذ بنظر الاعتبار الاستثناءات الإنسانية للأطفال وإنما بقي الحصار الاقتصادي مستمرا" والذي تسبب في كوارث للمجتمع وللأسرة العراقية ومنتهى الإيذاء والعنف للطفل والطفولة في العراق وحال دون إمكانية التنفيذ لاتفاقية حقوق الطفل والأهداف الدولية للعقد الجديد .

     وعليه فأن من حق العراق أن يطالب بتوقف الدول وخاصة الدول الكبرى عن حرمان الطفل العراقي من الغذاء والدواء ويتفق هذا النداء مع ما ورد في البند (18) من الإعلان حيث يقول زعماء العالم بالنص ((يتطلب رفاه الأطفال القيام بإجراءات سياسية على أعلى المستويات ) ويأخذ قادة العالم عهدا" على أنفسهم فيمضون قائلين (وهذا ما نحن عازمون على القيام به) .

     وتود الباحثة في خاتمة هذه الدراسة القول بأن أبلغ أجراء سياسي يتعين أن يقوم به زعماء العالم والموقعون على اتفاقية حقوق الطفل بل والجمعية العامة المعنية بالطفل هو رفع الحصار الاقتصادي عن العراق في الحال .

     أن الحصار قد تسبب في أضرار للأطفال تزيد عما سببه لأية شريحة من شرائح المجتمع وفي واقع الحال لم يكن ثمة أسوأ من خرق كل من اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته والأهداف الدولية للعقد الجديد من الحصار ذاته المسؤول عن مجمل الظواهر الصحية والنفسية والاجتماعية والتربوية التي يعاني منها أطفال العراق منذ أكثر من اثنتي عشرة عاما" وحتى الوقت الحاضر والتي قامت الدراسة الحالية بتشخيصها وتحديدها وتكميمها .

 

المصــــادر

1.       أوجيني ، مدانات ، الطفل ومشكلاته القرائية ، دار مجدلاوي ، الأردن 1985 .

2.       الديواني ، مصطفى ، حياة الطفل ، مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة التاسعة 1975.

3.       الجلبي ، سوسن ، آثار العنف وإساءة معاملة الأطفال على الشخصية المستقبلية دراسة في زمن الحصار ، عام 2002 .

4.       الجلبي ، سوسن ، وسميرة البدري ، الظواهر النفسية التي يعاني منها الأطفال جراء قصف ملجأ العامرية ، مجلة العلوم التربوية والنفسية ، 1994.

5.    الجلبي ، سوسن وصادق التميمي ، اثر الحصار الاقتصادي على الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية والصحية للأطفال في ضوء اتفاقية حقوق الطفل وحمايته ونمائه في التسعينات ، وزارة الثقافة والإعلام ، مركز أبحاث ام المعارك 1995 .

6.       الجلبي ، سوسن ، العمل المبكر للأطفال في ظل ظروف الحصار الاقتصادي ، دراسة منشورة ، 2001 .

7.       جرجيس ، ملاك ، مشاكل الصحة النفسية للأطفال ، الدار القومية للكتاب 1985 .

8.       جواشين ، مفيد نجيب وآخرون ، النمو الانفعالي عند الأطفال ، دار الفكر للنشر والطبع ، عمان 1989 .

9.       الحداد ، سلمى ، تأثير اليورانيوم المنضب على الحالات السرطانية في العراق ، بحث منشور 2001 .

10.   الحمداني ، موفق ، الطفولة ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، جامعة بغداد ،1989 .

11.   الأمم المتحدة ، اللجنة التحضيرية للدورة الاستثنائية للجمعية العامة المعنية بالطفل ، مشروع الوثيقة الختامية ، حزيران /2001 .

12.   صالح ، قاسم حسين ، الآثار النفسية والسلوكية للحصار على العراق ، جريدة الجزيرة 2000 .

13.  عبد الودود ، ساهرة ، الحرمان من رعاية الوالدين و أثره في نمو بعض المظاهر السلوكية لدى الأطفال في محافظة بغداد ، مجلة المرأة العربية ، العدد 3 السنة 1986 .

14.   العنبكي ، نزار ، تأثير الحصار على القطاع الصحي في العراق ، دراسة غير منشورة 2001 .

15.   غيدان ، كاظم وآخرون ، أوضاع الأطفال التعليمية تحت وطأة الحصار ، وزارة التربية 2001 .

16.   فريحات ، حكمت وآخرون ، صحة الطفل وتغذيته ، المطبعة الأهلية للنشر والتوزيع ، الأردن 1989 .

17.   قطامي ، نايفة وآخرون ، نمو الطفل ورعايته ، مطبعة الكويت 1988.

18.   كمال ، علي ، النفس ، انفعالاتها وأمراضها وعلاجها ، الجزء الثاني ط4 1989 .

19.   مجلة الطفولة والتنمية ، نمو استراتيجية الطفل من سوء المعاملة والإهمال 2001 .

20.   المؤمن ، محمد حسين ، مشكلات الطفل النفسية ، دار الفكر الجامعي ، الازايطة 1986 .

21.   نشأت ، اكرم ، عوامل جنوح الأحداث ، سلسلة الدفاع الاجتماعي ، المنظمة العربية للدفاع الاجتماعية ، العدد الثالث 1981 ، الرباط .

22.   نسيمة ، داود ونزيه حمدي ، مشكلات الأطفال والمراهقين وأساليب المساعدة فيها ، الطبعة الأولى ، عمان ، مطبعة الجامعة الأردنية ، 1989 .

23.   هيئة التخطيط ، الجهاز المركزي للإحصاء ، مجلس الوزراء ، الخطة الوطنية للطفولة لغاية العام 2000 .

24.   وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، قانون الأحداث ، 1982 .

25.   وزارة التربية ، التقرير الوطني حول متابعة القمة العالمية من اجل الطفولة / أيار 2001 .

26.   وزارة التربية ، بعد عشر سنوات ، آثار الحصار على قطاع التربية شبكة الإنترنت .

27.   وزارة الصحة ، نوعية مياه الشرب من الناحية البكتريولوجية لمحافظات القطر 2000 ، شبكة الإنترنت .

28.   وزارة الخارجية ، التقارير الخاصة بالحصار الاقتصادي على العراق ، شبكة الإنترنت 2002 .

29.   يوسف ، باسيل ، نحو تطبيق اتفاقية حقوق الطفل في العراق ، الواقع والمعوقات ، دراسة تحليلية ، 1995 ، منظمة اليونيسف .

30.  اليونيسف ، منظمة ، اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه وخطة العمل كما اقرها مؤتمر القمة العالمية من اجل الطفل ، 1990 .

    

Document Code OP.0054

Nassar.LesTPAE&laPsychothérapieIntégrative

ترميز المستند OP.0054

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)